لعل كل متتبع لمنتوج الترسانة الإيديولوجية للنظام القائم في الظرف الحالي سيلاحظ لا محال تسليط حملة إيديولوجية إعلامية مسعورة ضد الحركة الطلابية، وإطارها التاريخي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فبين الفينة والأخرى يطفو شعار ”العنف الجامعي” على سطح كافة وسائل الإعلام والصحافة الصفراء ورقية كانت أم الكترونية، مسموعة أم مرئية، اتخذت لنفسها عناوين متعددة كان أبرزها ”تحقيق حول العنف الجامعي”، ”العنف الجامعي يعود من جديد”، ”دولة الجامعة… السيبة”، ”أسطورة دولة لافاك”… إلخ، هكذا يتم توجيه الرأي العام الوطني والمحلي في استهداف مباشر للجامعة المغربية، الأمر الذي سنحاول جاهدين في هذا المقال الكشف عن خلفياته وفضح أهدافه الخسيسة.
إن ما يقوم به النظام القائم بالمغرب لا يعدو أن يكون سوى استنساخ لنفس التجارب السابقة للقوى الامبريالية، فتحت غطاء شعار ”محاربة الإرهاب” اقترفت الامبريالية أبشع الجرائم في حروب قذرة بأفغانستان، وتحت غطاء ”محاربة أسلحة الدمار الشامل” و ”دمقرطة الأنظمة” تم اغتصاب وتشريد الشعب العراقي وإشعال نيران الحروب الطائفية، كذلك هي أمثلة عديدة من بينها حقيقة شعار ”محاربة العنف الجامعي” الذي بات سيمفونية تردد من كل صوب وحدب لغاية واحدة هي استئصال الفعل النضالي داخل الساحات الجامعية بما هو المدخل الوحيد لضرب مجانية التعليم. كيف لا والجامعة المغربية وحقل التعليم على العموم تصدر، وعلى مر عقود من الزمن، أوليات رهانات النظام القائم بالمغرب وشكل مادة دسمة تسيل لعاب المؤسسات المالية الامبريالية من ورائه وهو ما يفسره تعدد المخططات الطبقية المستهدفة لمجانية التعليم كان آخرها المخطط الطبقي ”ميثاق التربية والتكوين” ونسخته المشوهة ”البرنامج الاستعجالي” التي وإن تأكد فشلها الذريع في بلوغ أهدافها إلا أن النظام القائم ظل يستحث الخطى لإعادتها في قوالب جديدة كما هو الحال لما بات يسمى ”الرؤية الاستراتيجية” (2015/2030) التي تحمل في أحشائها وبشكل مفضوح السعي الحثيث لتشريد أبناء الكادحين وفتح الباب مطلقا أمام المستثمرين الخواص الذي يعتبر، حسب زعمهم، الوسيلة الوحيدة لتجاوز ما يتم تسييده حول غياب إنتاجية هذا الحقل الحيوي.
وبالموازاة مع تلك الحملة الإيديولوجية المسعورة يسخر النظام القائم كل ترسانته القمعية بغية تشديد وثيرة الحظر العملي على المنظمة الطلابية أوطم وتضييق الخناق على العمل النقابي والسياسي من داخل الجامعة بالشكل الذي يتيح له سلاسة تمرير مختلف البنود التخريبية/ التصفوية، وتفريش الأرضية الملائمة للانقضاض على ما تبقى من مجانية التعليم، وهو ما تؤكده شدة الهجمات التي تطال الحركة الطلابية بمختلف المواقع الجامعية من جهة ومن جهة أخرى تعدد المؤامرات الدنيئة التي حيكت ضد الحركة بأشكال كاريكاتورية متعددة اضطلعت القوى الظلامية والشوفينية الرجعية بتأدية فصول منها عبر شن الحرب بالوكالة نيابة عن النظام بما هي امتدادات لأياديه داخل الجامعة، تجسد ذلك من خلال ما قامت به القوى الشوفينية الرجعية بمجموعة من الواقع الجامعية (الرشيدية، تازة، مكناس، أكادير، مراكش) كما الحال بموقع الشهيد محمد الطاهر الساسيوي حيث تم وبتنسيق وثيق الصلة لهذه القوى مع جهاز المخابرات وأجهزة البوليس السري والعلني احتلال الحرم الجامعي لأزيد من سنة وتحويله إلى مركز للتعذيب وممارسة شتى أشكال الترهيب في صفوف الجماهير الطلابية الأوطامية تم من خلاله تكبيل الفعل النضالي وفسح المجال أمام إنزال البنود التصفوية (تطبيق بند الطرد، فرض إجبارية الحضور، فرض النقطة الموجبة للرسوب، الزحف على المنح، تسييد أجواء مشجعة على الميوعة والانحلال والتفسخ؛ الدعارة، المخدرات، السُكر، التحرش، الفن الوضيع،…) استطاعت الحركة الطلابية الصمود في وجه كل ذلك إلى أبعد مدى وتجاوز واقع التواطؤات والمؤامرات لتعرف انتعاشة قوية بفضل قيادتها الفكرية والسياسية السديدة النهج الديمقراطي القاعدي الذي لم تثنيه الضربات الرجعية والاعتقالات السياسية التي طالتنا في مواصلة طريق الكفاح عبر تفجير مجموعة من المعارك النضالية ساهمت في تحصيل وتحصين مجموعة من المكتسبات التاريخية للحركة الطلابية (إلغاء بند الطرد، إلغاء النقطة الموجبة للرسوب، تجميد دور الأواكس، توفير ظروف أفضل لمواكبة الدراسة …).
ولم يمض على ذلك سوى وقت وجيز حتى تم نسخ ونسج خيوط مؤامرة أخرى بموقع فاس، اضطلعت هذه المرة القوى الظلامية بتأدية أطوارها، إذ وصل بها الحد إلى التضحية بأحد عناصرها بشكل مفتعل أكدته عدة وقائع ومؤشرات تطرح أكثر من علامة استفهام، لتتوالى بعدها حملة اعتقالات واسعة في صفوف مناضلي الحركة الطلابية وزعت عليهم 74 سنة من الاعتقال ولا يزال حتى الآن مصير بعضهم مجهولا. هكذا أقام النظام القائم الأرض ولم يقعدها موجها الرأي العام إلى سيمفونية ”محاربة العنف الجامعي” التي باتت آلية محببة لشرعنة الهجوم على الحركة الطلابية اغتصبت بموجبها حرمة الجامعة عبر العسكرة شبه الدائمة لمجموعة من الكليات، وشرعنت من خلالها الاعتقالات في حق المناضلين والطلاب على حد سواء، بل اكتست كل هاته الهجمات طابعا علنيا ورسميا بفعل ما بات معروفا بـ ”المذكرة الثلاثية” التي تعمل على تجريم النضال لكبح جماح الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. كيف لا وهذه السيمفونية لا تعزف إلا عندما يتعلق الأمر بمناضلي المنظمة الطلابية أوطم؟ّ!
وكأن المعطي بوملي، ايت الجيد بنعيسى، حفيظ بوعبيد، عبد الرحمان الحسناوي، محمد الطاهر الساسيوي، عبد الرزاق الكاديري، نور الدين عبد الوهاب، مصطفى المزياني،… وآخرون -لا يسع المجال لذكرهم– ليسوا طلابا مغاربة ؟؟؟!! أين كنتم عندما لفظ كل هؤلاء أنفاسهم على وقع الضربات والأنين؟؟ ونقولها لكم يا معشر الرجعيين وبفم مفعم بالماركسية-اللينينية: نحن لا ننتظر أن نسمع مواء قط من كلب!! نحن لا ننتظر منكم يوما الدفاع عن الحق المقدس لأبناء الكادحين في التعليم، ولا ننتظر منكم ”الإنصاف” ولا حتى إنصاف شهدائنا مادام حق الشهيد سينتزع لا محال.
وتحت يافطة نفس الشعار يتم حاليا الهجوم على موقع محمد الطاهر الساسيوي، فبعد عجز القوى الظلامية والشوفينية الرجعية عن تأدية أدوارها، يعمل النظام القائم على شن حملة اعتقالات همت مجموعة من المناضلين –أربع رفاق ورفيقتين إلى حدود كتابة المقال- وإصدار مذكرة بحث وطنية في حق آخرين مع عسكرة شبه دائمة لكليتي العلوم والأداب، بذريعة تنقية الجامعة من مصدر”العنف الجامعي”!! بعد حدث المحاكمة الجماهيرية التي شملت إحدى امتدادات جهاز المخابرات من داخل كلية العلوم والتي تم دسها داخل مقصف الكلية لرصد أقرب وعن كثب لتحركات المناضلين وتتبع كل كبيرة وصغيرة داخل الحرم الجامعي وكذا استدراج الطالبات إلى سوق الدعارة. لكن ألا يطرح السياق الزمني لهذه الحملة المسعورة ألف سؤال؟ ليكون جوابنا واضحا إن موقع مكناس شهد زخما نضاليا هاما تم معه توسيع قاعدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ورفع مستوى وعيها السياسي، الأمر الذي انعكس في انخراط الجماهير الطلابية في مختلف النضالات التي يخوضها الشعب المغربي نذكر من بينها الأساتذة المتدربين بالمدينة وإضرابات عمالية في فروع مختلفة (خنيفرة، ميدلت…) تكلل كل ذلك بتنظيم أيام المعتقل والشهيد أيام 09/10/11/12/13 ماي الجاري التي ورغم انتهائها على إيقاع المطاردات في الأزقة والشوارع إلا أنها عرفت نجاحا سياسيا باهرًا.
بل وأكثر من ذلك تجري هذه الاعتقالات ما بين 12 و 22 ماي الذي يعتبر أقوى رد على سفهاء السيمفونية ”العنف الجامعي”. فهذا التاريخ يظل موشوما في ذاكرة الشعب المغربي باغتيال مناضلين اثنين هما عبد الرحمان الحسناوي ومحمد الطاهر الساسيوي في ظرف عشرة أيام.
خلاصة القول، إن هذه الاستهدافات التي تطال الجامعة المغربية عموما والنهج الديمقراطي القاعدي على وجه التحديد تحمل في طياتها كما بيَّنْنا آنفاً سعي النظام القائم إلى وقف الزحف النضالي الذي تعرفه الحركة الطلابية ونسف وحدة الجماهير الطلابية لجعلها دون مستوى القوة الكفاحية القادرة على الوقوف ضد المخططات الطبقية الهادفة إلى خوصصة القطاع.
وهو ما يتضح بشكل جلي من خلال ما تشهده الآن مجموعة من المواقع الجامعية من احتلال للترسانات القمعية للساحات الجامعية والاعتقالات السياسية التي تطال مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (مكناس، فاس، مراكش، أكادير، تطوان، وجدة…) إلى درجة سارت معها السجون بمثابة ملحقات جامعية تأوي أعدادا هائلة من المعتقلين السياسيين ولعل شعار ”محاربة العنف الجامعي” لا يعدو أن يكون سوى ورقة جديدة لتأطير الهجمات الحالية بالشكل الذي يجعل الجلاد ضحية والضحية جلادا وهو في الآن نفسه صيغة جديدة لتقليص عدد الوافدين على الجامعات وذلك لمحاولة ترسيخ تصور سوداوي عنها وجعل الجماهير الشعبية تعدل عن إرسال أبناءها لإتمام مشوارهم الدراسي بالجامعة.
عن المعتقلين السياسين للنهج الديمقراطي القاعدي في 27 ماي 2016 بالسجن المحلي توشكا بالرشيدية.
عاشـت الحركة الطلابية كفاحية وثورية
عاش الاتحاد الوطني لطلبة المغرب
عاش النهج الديمقراطي القاعدي رمزا للصمود والتضحية
19 حزيران/ جوان/ يونيو 2016