كتب الأستاذ مالك الخوري/ بيروت : أظهرت الحرب الأخيرة في قطاع غزة مدى رغبة الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو بالمزيد من التوسع، على وقع النقاش الإسرائيلي الإسرائيلي الداخلي حول شكل الدولة اليهودية، وهو نقاش بدأ بالفعل قبل السابع من أكتوبر خلال معركة رئيس الحكومة مع المحكمة العليا واستمر حتى يومنا هذا.
مع تسارع الأحداث بدأت النوايا الإسرائيلية بالتحول إلى خطوات عملية، فأبدت الحكومة إصراراً على إحتلال قطاع غزة، وتمددت في الجنوب اللبناني، كما سيطرت على مناطق واسعة في جبل الشيخ والقنيطرة السوريتين، ولطالما خرج السياسيون في إسرائيل من وزراء وكتّاب للتعبير عن رغبتهم بتوسيع الاستيطان في هذه المناطق.
وتأتي الخطوات الإسرائيلية لتعارض جميع التصريحات من الدول العربية والإسلامية التي كانت تصرّ على ضرورة تطبيق ما يعرف بـ”حل الدولتين” أي إنسحاب القوات الإسرائيلية حتى حدود العام 1967، بينما يؤكد المسؤولون الإسرائيليون على نيتهم السيطرة على الضفة الغربية الفلسطينية، وضم الجولان السوري.
وأظهرت التطورات السورية الأخيرة مدى الشهية الإسرائيلية للتدخل في الملف السوري عسكريا وسياسيا منذ خروج الرئيس السوري بشار الأسد من دمشق الشهر الماضي، وشن الجيش الإسرائيلي أوسع حملة جوية وبرية على سوريا منذ العام 1974، كما تناولت التصريحات الرسمية الإسرائيلية الملف السوري الداخلي أكثر من مرة، وكان أبرزها تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس الشهر الماضي حول ضرورة التدخل لـ”حماية الأقليات السورية” من أكراد ودروز وغيرهم.
من جانبه، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن عدم إيقاف إسرائيل في غزة قد يؤدي إلى تمددها “حتى الأناضول” حسب تعبيره، واضعا الجغرافيا السورية في قلب التنازع على النفوذ بينه وبين إسرائيل في ظل ضعف الدولة الوطنية السورية ووقوعها بين فكي أنقرة وتل أبيب. ولم يتردد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، في التعبير عن رغبة تركيا بالسيطرة على سوريا منذ 2000 عام بحسب قوله، كما سمى مسلحي “جبهة النصرة” الذين دخلوا العاصمة دمشق بأنهم “أتباع تركيا”، معبراَ بذلك – وهو حليف إسرائيل – عن طريقة نظر واشنطن لما يحدث في سوريا على أنه وضع البلاد تحت النفوذ التركي المباشر.
عمليا، تتجه الأحداث في سوريا إلى ما يشبه تنازع تركة الدولة السورية بين تركيا وإسرائيل، وليس بالضرورة صراعاً قد يؤدي إلى صدام بين الطرفين، خصوصا أن رجل تركيا الأول أحمد الشرع الحاكم في سوريا اليوم، سارع إلى إرسال تطمينات منذ اليوم الأول بأن لا نية لديه لفتح صراع مع إسرائيل.
وأظهر الصراع على سوريا الممتد حتى الآن لسنوات، مدى رغبة العديد من الدول بوجود نفوذ سياسي وأمني لها في هذه البقعة التي تشكل عقدة وصل جغرافية بين الخليج العربي وتركيا، وبين أسيا وأوروبا، لذلك تدخلت الدول العربية وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، كل من أجل قضم قطعة من كعكة الجغرافيا السورية.
الصراع على تركة الدولة السورية، بعد تفكك الجيش السوري، يحتاج إلى أدوات ميدانية لبسط النفوذ، فكما اعتمدت تركيا على ذراعها المباشرة المسماة “جبهة النصرة” وكللت طموحاتها بالوصول إلى دمشق، بجلوس وزير الخارجية التركية هكان فيدان ليحتسي الشاي إلى جانب الشرع على قمة جبل قاسيون الدمشقي، تبحث إسرائيل وغيرها عن أدوات تنفيذية للتدخل في الشأن السوري، وقد تكون الممارسات المتواصلة من قبل مسلحي النصرة بحق “الأقليات السورية” المدخل الفعلي لتل أبيب وغيرها لوضع يدها مباشرة في قلب سوريا.
بالعودة إلى نتنياهو الذي التقى الرئيس التركي أردوغان في قمة نيويورك قبيل السابع من أكتوبر العام الماضي، أعرب الرجلان في بيان مشترك عقب اللقاء عن رغبتهما بالعودة إلى العمل على مشروع “خط حيفا – جيهان” لتصدير الغاز، والإشارة هنا إلى المشروع هي فقط من قبيل التنويه إلى رغبات الطرفين بـ”الاستفادة” من الجغرافيا السورية، بغض النظر عن إمكانية نجاحه.
كذلك، عبر رئيس الحكومة الإسرائيلي في أكثر من مناسبة عن ضرورة السيطرة على الضفة الغربية كجزء لا يتجزأ من خطة إعلان “الدولة اليهودية، ومؤخراً خرجت أصوات في إسرائيل تطالب بالسيطرة على سيناء مجدداً بالإضافة إلى الرغبة المعلنة بالبقاء في نقاط حاكمة للجليل في الجنوب اللبناني. عمليا يطمح نتنياهو لتوسيع نفوذ الدولة اليهودية المزمعة من خلال “حلف أقليات” وهو مشروع قديم يتجدد عند كل محطة سياسية في المنطقة.
يتذرع نتنياهو ضمنا اليوم بمنطق ترامب نفسه الذي يتحدث عن سيطرة تركيا على سوريا ليمد يده لما يسميه الأقليات السورية، فأنقرة اعتمدت على تيار ديني إسلامي ذو لون مذهبي من أجل مد نفوذها داخل الأراضي السورية، وهي تعتبر ضمناً أن هذا التيار بحكم “أكثريته” سيكون له القدرة على التمدد والاحتفاظ بمناطق نفوذ أوسع، فترى الأعلام التركية مرفوعة مثلا في الشمال اللبناني، في اليوم نفسه الذي ينتشر مقاتلو “النصرة” في شوارع مدينة دير الزور في استعراض للقوة.
وفي مقارنة بسيطة يلتحق الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط بالنفوذ التركي ويزور الشرع سريعاً، بينما يعبر الشيخ الدرزي موفق طريف في مواقف متكررة عن “الحكمة” في محالفة إسرائيل من قبل من يمثلهم، كذلك يطلق المسؤولون الإسرائيليون مواقف متكررة عن ضرورة تحالفهم مع أكراد سوريا، في وقت يبحث الفرنسيون والألمان عن قنوات تواصل مع مسيحيي سوريا وأكرادها وعلوييها مما يضطر وزير الخارجية التركي فيدان إلى انتقاد دور فرنسا في سوريا بشكل مباشر مؤخراً.
ينتشر في الشارع السوري مؤخراً نقاش يومي يظهر الكثير منه في وسائل التواصل الاجتماعي، حول شكل الدولة من دون البحث الجدي في المصطلحات المذكورة، فتجد هجوماً منظما على الدولة المدنية العلمانية هنا، ودفاعاً عشوائيا عنها هناك، بينما تنتشر الصفحات التي تتحدث باسم الأقليات وبيانات مشايخ الأديان وكرادلتها، وبعضهم يطالب بالتقسيم وآخر يهاجمه لإغلاق الباب أمام الأكراد.
وبحسب صحيفة “إسرائيل هيوم” فإن مسؤولين إسرائيلين يدرسون عقد مؤتمر لتقسيم سوريا إلى كانتونات. وتتكثف المناقشات داخل إسرائيل بشأن التطورات على الجبهة الشمالية. قبل يومين، ترأس وزير الدفاع يسرائيل كاتس اجتماعًا وزاريًا صغيرًا سبق مناقشة مقبلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي ركزت على التدخل التركي في سوريا، وفقًا للمعلومات التي حصلت عليها الصحيفة.
وغطت المداولات في مجلس الوزراء الأوضاع المتطورة في سوريا، وخاصة معالجة المخاوف بشأن الزعيم الفعلي، المرتبط بالجهاديين أبو محمد الجولاني، وسلامة الأقليات الدرزية والكردية في المنطقة. وفي محاولة لتعزيز الاستقرار الإقليمي، اقترح وزير الطاقة والبنية التحتية إيلي كوهين عقد مؤتمر دولي يركز على سوريا.
ويؤكد مسؤولون أمنيون أنه في حين لا تخطط إسرائيل لوجود دائم في سوريا، فإنها ستحتفظ بمواقعها في المناطق التي احتلتها حتى يتحقق الاستقرار ــ ربما من خلال مثل هذا المؤتمر الذي من شأنه أن يسهل إعادة تعريف حدود سوريا وبنيتها، وتمكين القوات الإسرائيلية من الانسحاب دون المساس بالمصالح الأمنية.
يبدو أن طموحات نتنياهو تتجه إلى توسيع كتلة السيطرة الإسرائيلية في المنطقة بدءا من الضفة الغربية وصولا إلى الداخل السوري ضمن منطق “حماية الأقليات”، توازياً مع طموحات أردوغان لمد نفوذه عبر الكتلة الإسلامية في المنطقة وهكذا إلتبقى خط حيفا – تل أبيب في منتصف الطريق.
في الأثناء كان ملفتا أن الزيارة الرسمية الأولى للعهد الجديد في لبنان كانت من قبرص وأول دعوتين للعهد وجهتا من إيطاليا واليونان تزامنا مع لقاء محمد بن سلمان بالرئيس اليوناني وتوقيع معاهدة استراتيجية. كذلك زار السفير السعودي طرابلس وكان ملفتا لقاءه بالمجلس الاسلامي العلوي في المدينة.
يبدو أن تمدد تركيا في سوريا دفع السعودية إلى العودة بثقلها على الخط اللبناني وهو ما أنتج الرئاسة والحكومة لأن ملف الصراع على حوض المتوسط سيكون محور استراتيجية السعودية وحلفاءها الأوروبيين المتوسطيين ولبنان سيكون ركنا أساسيا في هذا الأمر.
مالك الخوري، محلل سياسي عربي من لبنان
الخميس، 15 شعبان، 1446 الموافق 13 شباط، 2025
ملاحظة المحرر :
ذكرت التقارير الصحفية أن الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان التقى مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين #نتنياهو، على هامش الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة، يوم 20 أيلول/سبتمبر 2023. اي قبل أسبوعين من #طوفان_الأقصى يوم 7 تشرين الأول / أوكتوبر 2023.
وحسب بيان الرئاسة التركية فقد أكّد أردوغان خلال اللقاء مع نتنياهو على ضرورة العمل معا من أجل عالم يسوده السلام، مشيرا إلى أن مساحة العمل المشترك بين #تركيا_وإسرائيل تشمل مجالات الطاقة والتقنية والاختراع والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
للإطلاع على تفاصيل إضافية راجع تقرير التلفزيون القطري/ الجزيرة يوم 20 أيلول/ سبتمبر 2023
COMMENTS