لا حل للملاحة… والمشنوق يفجِّر “استحالة”
“على رغم تشابك الاهتمامات بالملفات السياسية ومتابعة نتائج زيارتي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للمملكة العربية السعودية وقطر، اتخذت أزمة الملاحة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي طابعاً استثنائياً عقب القرار القضائي الذي قضى بوقف نقل النفايات موقتاً الى مطمر “الكوستابرافا” الامر الذي اقتضى استنفاراً حكومياً لمعالجة “استلحاقية” لهذه الأزمة بما يكفل حماية الملاحة في المطار وتجنب نشوء “ملحق” جديد من ازمة النفايات بفعل الاقفال الموقت للمكب.
وبدا واضحاً ان المأزق الناشئ الذي شكل تهديداً جدياً للملاحة الجوية استوجب تحركاً للقيام بسلسلة خطوات نوقشت في اجتماع لخلية الأزمة رأسه رئيس الوزراء سعد الحريري مساء أمس في السرايا وحضره وزيرا البيئة طارق الخطيب والأشغال يوسف فنيانوس، ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر، والأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل، ورئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، ومستشار الرئيس الحريري للشؤون الإنمائية فادي فواز. وأوضح الوزير فنيانوس ان “هذه الخلية ستجتمع يومياً إذا اقتضى الأمر، لحل هذه المشكلة. واليوم بالتشاور بين وزارتي البيئة والأشغال وشركة طيران الشرق الأوسط ومجلس الإنماء والإعمار، تم بحث كل ما يمكن أن يطرأ علينا. استعنا بخبراء وكانت هناك اتصالات بأشخاص من خارج الاجتماع، وبنتيجتها اقترحت أفكار عدة للحفاظ على موضوع البيئة وأيضاً حماية الطيران والطائرات”.
وتوصل المجتمعون الى “اقتراح بيئي” للحماية من الطيور والحفاظ على سلامة الطيران المدني ظل دون المس بخطة المطامر الامر الذي يبقي الشكوك كبيرة في جدواه نظراً الى الطابع الظرفي الذي يتسم به. ومن اجراءات هذا الاقتراح: “إخافة الطيور بواسطة تقنية الألعاب النارية، إصدار أصوات مزعجة للطيور، وهي تقنية تستخدم يوميا في مطارات عدة من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وتستخدم حالياً في جزء من مطار بيروت، طرد الطيور عمن طريق رش مواد على محيط المطار، ولا يمكن وضعها مباشرة على أرض المطار لعدم إعاقة الطائرات، وهذه المواد تمنع الطائر من الاقتراب من الأرض أو من المناطق التي رشّت بهذه المواد”. أما في مطمر “الكوستابرافا”، فتمت تغطية ثلاث حفر مائية موجودة في المطار.
عودة عون تطلق ورشة التعيينات
“نعى وزير الداخلية نهاد المشنوق قانون الانتخاب مؤكّداً استحالة اتفاق القوى السياسية على صيغة موحدة قبل موعد الانتخابات. وفيما تتعقّد ورشة القانون، تستعد القوى السياسية لفتح ورشة التعيينات الأمنية والقضائية.
مع عودة الرئيس ميشال عون الى بيروت بعد زيارته للسعودية وقطر، يتوقّع أن تبدأ الأسبوع المقبل ورشة تعيينات الشواغر في مواقع أساسية وحساسة، لا سيّما في المواقع الأمنية والقضائية، ومنها مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية والنوّاب العامّون في المناطق. وتحظى التعيينات الأمنية بأولوية البحث، مع بدء جوجلة الأسماء، خاصة في موقعي قائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي.
وعادت أسماء العمداء كميل ضاهر، فادي داوود، جوزف عون، كلود حايك، الياس ساسين وخليل الجميل، المطروحة لتولّي قيادة الجيش، لتكون محلّ نقاش بين القوى السياسية، إضافة إلى طرح اسم رئيس فرع المعلومات العميد عماد عثمان لتولي منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي. وفيما لم يُحسم أيّ من الأسماء، إلّا أن المسلّم به أن الحصّة الأكبر في تسمية قائد الجيش تعود لرئيس الجمهورية، الذي يحاول بحسب مصادر وزارية معنية اختيار اسم لا يكون مرفوضاً من حلفائه، لا سيّما حزب الله والقوات اللبنانية، فيما أكّدت مصادر وزارية أخرى أن «اسم العميد عثمان لم يطرح على حزب الله بشكل رسمي بعد لمعرفة موقفه».
وكان قد سبق لمجلّة الدولية للمعلومات أن نشرت في نهاية العام الماضي لائحة مؤلّفة من 32 وظيفة فئة أولى شاغرة، من بينها رئيس هيئة «أوجيرو»، التي عيّن عماد كريدية فيها بديلاً من عبد المنعم يوسف، والمدير العام للتنظيم المدني، ورئيس مجلس الإنماء والاعمار، والمدير العام للطيران المدني، والمدير العام للمؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات، والمدير العام لوزارة المهجرين، والأمين العام لمجلس النواب، والمفتش العام الصحي والاجتماعي والزراعي في التفتيش المركزي، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ورئيس المركز التربوي للبحوث والإنماء، إضافة إلى مديري ورؤساء مجالس إدارة العديد من المستشفيات الحكومية.
الى ذلك، بدا أن زيارة عون لن تأتي بأكثر من كسر الجليد في العلاقات بعد سنوات من التردي، إذ لم يلتق الوفد اللبناني أياً من الرجلين القويين في المملكة، ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمّد بن نايف، وولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، اللذين يمضيان إجازتيهما السنوية بعيداً عن الرياض، ما ترك علامات استفهام حول نتائج الزيارة. ورغم أن أكثر من وزير عبّر لـ«الأخبار» عن أن الزيارة أدّت غرضها، بكسر الجليد مع السعودية تحديداً، كان لافتاً كلام وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عبر برنامج «كلام الناس»، أمس، بأن «لبنان الآن في مرحلة تجربة بالنسبة للسعودية»، في إشارة إلى أن عودة العلاقات إلى سابق عهدها مرهونة بالأداء اللبناني في المرحلة المقبلة. وبحسب مصادر وزارية شاركت في الزيارة، فإنّ «الأداء الجديد» يتضمّن وقف الحملات الإعلامية ضد السعودية و«وقف الشتائم». وأضافت أنه «لا يتوقّع أحد أن تنتهي أزمة عمرها سنوات بين ليلة وضحاها، الأمور تحتاج إلى وقت». وفيما كان من المتوقّع أن تعيد الزيارة الحياة للهبة السعودية المالية للجيش اللبناني، عبّر أكثر من مصدر وزاري لـ«الأخبار» عن اقتناعه بأن «مسألة الهبة ربّما باتت من الماضي»، بينما قال المشنوق بشكل واضح إنّها «توقّفت لأسباب سياسية، وعودة تنفيذها لها ثمن سياسي، والرئيس عون حمل على كتفيه أنه يضمن سياسة جديدة في لبنان».
داخلياً، كان لافتاً أيضاً نعي المشنوق لقانون الانتخاب، مشيراً الى أن «هناك صعوبة كبيرة في الوصول الى قانون في الوقت المناسب، لأن الوقت المتبقي هو شهر أو اثنين»، مضيفاً «لن أدعو لأي تأجيل تقني للانتخابات ما لم يوضع قانون انتخاب جديد»، ومؤكداً «استحالة» اتفاق الأطراف السياسية على قانون في الوقت المتبقي.
وعلى صلة بقانون الانتخاب، وحملة النائب وليد جنبلاط على النسبية، انتقل الأخير إلى التصويب على ملفّ مكبّ الكوستابرافا، ربطاً بالأخطار المحدقة بمطار بيروت، على خلفية انتشار طيور النورس فوق المطار، علماً بأن جنبلاط كان قد ضغط في السابق على النائب طلال أرسلان للقبول بفتح الكوستابرافا، محبطاً عبر تدخّله الشخصي وحركة النائب أكرم شهيّب في الشويفات اعتراض الأهالي وتحركاتهم في الشارع ضد إقامة المطمر. وربطت قوى سياسية بين تصويب جنبلاط على المطمر واعتراضاته على قانون الانتخاب.
اللواء
وزراء سعوديون وقطريون إلى لبنان.. والمُهل «تعوِّم» الستين
معالجة فورية لإقفال مطمر كوستابرافا وحماية المطار.. وسجال بين المشنوق وخوري حول الميكانيك
“من المفترض أن يكون الاجتماع الذي عقد مساء أمس في السراي الكبير برئاسة الرئيس سعد الحريري وحضور وزيري البيئة طارق الخطيب والاشغال العامة يوسف فنيانوس قد أنهى أزمة المطار والطائرات والطيور، وفتح الباب امام قاضي الأمور المستعجلة حسن حمدان للعودة عن قراره الذي قضى بوقف طمر النفايات في «الكوستابرافا».
ويتأرجح الحل بين تخويف طيور النورس بأصوات تولدها آلات كهربائية تلقائية ورش أرض المطار بمواد تمنع الطيور من الهبوط على أرضه والتجول في محيطه، تماماً كما تفعل تركيا لإبعاد الطيور عن مطاراتها.
وإذا ما سارت الأمور على ما يرام، فان أزمة نفايات كانت محدقة بالبلاد، ستبعد بإجراءات حكومية سريعة، من شأنها أن تقدّم نموذجاً لكيفية التعاطي مع المشكلات المزمنة والطارئة.
وأشارت مصادر وزارية إلى أن هذا الموضوع، إذا لم تطرأ إشكاليات جديدة مرجحة عليه فانه سيكون أمام جلسة مجلس الوزراء المقبلة، ولو من خارج جدول الأعمال.
وقالت هذه المصادر أن الشؤون الحياتية للمواطنين، سواء تعلقت بالنفايات أو المياه أو الكهرباء، ستحظى باهتمام جدي من الحكم والحكومة، بصرف النظر عن الانشغالات السياسية والتحضيرات الجارية لإنهاء ملف الموازنة، وإطلاق ورشة عمل جدية للتوافق على قانون جديد لإجراء الانتخابات النيابية، حيث يبدو ان المهل القانونية ستعوِّم قانون الستين، خلافاً للتوجهات الرسمية، إذ كشف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في مقابلة مع برنامج «كلام الناس» من على شاشة L.B.C.I انه في غضون عشرة ايام سيرفع الى مجلس الوزراء اقتراحاً بتشكيل الهيئة الوطنية للاشراف على الانتخابات مع طلب موازنة مالية لإجرائها في 21 أيار المقبل، عملاً بالقانون النافذ الذي على أساسه جرت اخر انتخابات نيابية في صيف عام 2009.
وقال الوزير المشنوق انه في غياب أي قانون جديد، فانه سيحترم نظام المهل، وسيتصرف كوزير للداخلية على هذا الأساس. اما إذا تمكنت الطبقة السياسية من التوصّل في غضون شهرين للتفاهم على قانون جديد للانتخابات، فان القانون الجديد يمكن ان يطلب من الداخلية تأجيل الانتخابات في إجراء تقني ريثما تجري التحضيرات وتدريب الموظفين على الإجراءات اللوجستية لاجراء الانتخابات اذا ما اقتضى القانون الجديد مثل ذلك، اذا ما اعتمد النظام النسبي أو المختلط.
وقال نائب رئيس المجلس فريد مكاري أن قانون الانتخاب ليس مدرجاً على جدول أعمال الجلسة، التي ادرج عليها 46 مشروع قانون واقتراح و24 اقتراح قانون معجل تطرح في نهاية الجلسة.
وأشار مكاري إلى انه إذا أردنا أن تجري الانتخابات في موعدها المحدد يجب ان يكون القانون على الأكثري ولا أقول الستين، ولكن اذا كان القانون يتضمن النسبية فسنضطر الى تأجيل تقني.
ولفت إلى انه في ما خص الموازنة، فإنها ليست مدرجة على الجلسة أيضاً، وستكون هناك اجتماعات لاقرارها في مجلس الوزراء بعدما أحالها إليه وزير المال علي حسن خليل تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب، مؤكداً ان سلسلة الرتب والرواتب ستكون من ضمن الموازنة.
وفي السياق، أكّد مصدر وزاري بارز في الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«اللواء» أن المهل الدستورية يجب أن تحترم لاجراء الانتخابات في موعدها المحدد، محذراً من أن أي تأجيل لهذه الانتخابات يمكن ان ينعكس سلباً على انطلاقة العهد الجديد وبالتالي على اندفاعة الحكومة. وقال المصدر أن قانون الستين هو الأنسب في هذه المرحلة عدالة وتمثيلاً، موضحاً انه لا مانع من اجراء بعض التعديلات عليه.
أما تكتل «الاصلاح والتغيير» فرفض ما وصفه «بالتمييع لأخذنا إلى قانون الستين، أو التمديد غير معروف السقف»، داعياً إلى «الجدية وإعلان المواقف الصريحة من الصيغ المطروحة».
وفي السياق، لفت الانتباه موقف الرئيس السابق ميشال سليمان، الذي أعلنه بعد زيارته للرئيس الحريري في السراي الحكومي، حيث أكّد على ضرورة اجراء الانتخابات حتى لو لم يكن القانون جديداً، مشيراً إلى أن تداول السلطة يجب أن يحصل حتى وفق القانون القديم، لأن البديل ليس تأجيل الانتخابات ولا تمديد الولاية. وأشار رداً على سؤال إلى أن قانون الستين هو «أبغض الحلال»، لكنه أفضل من قانون غير معروف إلى أين يوصلنا.
وتحدث على لسان أكثر من مسؤول في بيروت وفي مقدمهم الوزير المشنوق أن الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز قال للرئيس عون «في الصيف المقبل ستجدون في بلدكم السعوديين أكثر من اللبنانيين».
وفي سياق متصل، اعتبرت مصادر سياسية متابعة لـ«اللواء» أن ما أعلن عن تقديم المملكة العربية السعودية لمساعدات للبنان بما فيها الهبة السعودية لا يمكن التحدث عنه مع أي كان، باعتبار ان الموضوع يخص المملكة وحدها، وهي الجهة المخولة الوحيدة بالاعلان عن ذلك، وأشارت المصادر انه في حال كان الموضوع صحيحاً فانه يحتاج الى اتباع آلية محددة من قبل المملكة.
ونفت المصادر السياسية أن يكون في مفكرة الرئيس الحريري في المرحلة الراهنة أي زيارة خارجية مقررة في وقت قريب، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة ينكب حالياً على معالجة العديد من القضايا والأمور الداخلية.
فقد أكّد المشنوق أن مسار المناقصة في الميكانيك قانوني مئة في المئة، ولا حصة لي بأي شركة لا من قريب ولا من بعيد، وإذا تأكد موضوع ضلوع أحد الوزراء بمناقصة الميكانيك فيجب النظر بهذا الملف لأن فيه تعارضاً للمصالح. وكشف انه مضى 14 عاماً على الشركة الحالية التي تدير الميكانيك ودفعت المال في السابق من أجل اجراء المعاينة شخصياً.
ورد الوزير خوري على المشنوق قائلاً انا ادرس مناقصة الميكانيك من ناحية تقنية كوزير اقتصاد وتقدمت باستقالتي من رئاسة مجلس إدارة بنك «سيدرس» فور تولي الوزارة، لأنني دخلت في قطاع عام. وأوضح خوري أن «وليد سليمان يملك ربع بالمائة من البنك وأنا لست شريكاً معه»، لافتاً إلى أن «وزير الدفاع يعقوب الصرّاف كان شريكاً بالشركة وأنا صديق الصراف ووليد سليمان صديق له».
واشار إلى «انني كوزير اقتصاد ادرس موضوع ملف الميكانيك من ناحية التقنية والاسعار، وأنا ما زلت ادرس الملف ولم انته من دراسته»، لافتاً إلى «انني كحماية مستهلك لن اتغاضى عن الموضوع». وشدّد خوري على أن «مجلس الوزراء مجتمعاً يُقرّر البت في هذا الملف وليس وزير وحده أو جهة سياسية».
البناء
موسكو لأستانة خلال 10 أيام تتخطّى وفد الرياض… والأسد خارج البحث
عون يُنهي جولته الخليجية بربط دور حزب الله بمعادلات المنطقة
المشنوق يبشّر بثمن سياسي سعودي للتسليح… وضيق المهل لقانون جديد
“بينما لم يتبقَّ سوى العودة لتفجيرات انتحارية تستهدف الناس في سورية والعراق، بالنسبة لمن يُهزمون في ميادين الحرب من تنظيمات الإرهاب، ترسم موسكو سقف الهدنة في سورية بتأكيد استثناء التنظيمات الإرهابية، وتغطية الجيش السوري وحلفائه في مواجهات وادي بردى، وتربط الدعوة لحوارات أستانة بتعديل ثوابت جنيف التقيلدية، فمصير الرئاسة السورية خارج البحث وحصرية مؤتمر الرياض وهيئته التفاوضية انتهت.
يتماسك حلف روسيا ـ إيران ـ سورية والمقاومة بقوة الإنجاز والنصر في حلب، ويتفكك ويرتبك الحلف المقابل بضغط الهزائم، فيصير دور حزب الله في الحرب على الإرهاب على لسان رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، من منبر قناتَي العربية والجزيرة، اللتين تدأبان على تناول هذا الدور، جزءاً من المعادلات الدولية والإقليمية التي تحكم المنطقة.
يعود رئيس الجمهورية والوفد المرافق من جولة خليجية شملت السعودية وقطر بعد تطبيع سياسي، ربما يكون هو الأهم، يُنهي الضغوط والجدالات حول دور حزب الله، فالرئيس لم يتعهّد ولم يلتزم بحوار داخلي يُنهي هذا الدور أو يضبط السلاح، كما فعلت تعهدات الرئيس السابق ميشال سليمان التي أسست ضمناً لعقوبات طالت لبنان بداعي الفشل في تنفيذ التعهدات، بل صارح الرئيس محاوريه، الذين فقدت حكوماتهم مواقعها السابقة كصناع للسياسة في المنطقة، بفعل خيبات الرهانات في حروب المنطقة، وتمكّن الرئيس من قول ما يجب قوله، لا للنأي بالنفس ونعم للحياد الإيجابي، والشراكة في الحرب على الإرهاب لا تستجلبه بل تتوقّاه وتردعه، ولولا الكلام الصادر عن وزير الداخلية نهاد المشنوق عن أثمان سياسية ستطلبها السعودية قبل إعادة تفعيل الهبة المخصصة لتسليح الجيش، وما فتحته من شكوك مشابهة غمز بها السعوديون لحلفائهم بخصوص كل طلبات لبنانية مشابهة، لأمكن القول إن التطبيع كان أوسع من تثبيت المواقف واستعادة الحياة للعلاقات اللبنانية الرسمية مع حكومات الخليج، بالقبول والرضا لمواقع الاختلاف.
كلام وزير الداخلية عن الثمن السياسي للهبة المخصصة للجيش ترافق مع كلام له عن اقتراب المهل المخصصة للانتخابات النيابية وصعوبة إنجاز قانون جديد خلالها، في إيحاء متكرّر على لسانه لأرجحية السير بقانون الستين، بينما أوحى كلام رئيس الجمهورية العماد عون بالعكس لجهة الإصرار على قانون جديد، ومثله فعل تكتل الإصلاح والتغيير طلباً لقانون جديد يجده ممكناً في الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، لتحسم أيام هذه الدورة مصير الإيحاءات بالوقائع.
استطاع رئيس الجمهورية أن يفتح ثغرة كبيرة في جدار الأزمة بين لبنان ودول الخليج. فالهدف الرئيسي لعون هو إصلاح العلاقات مع الدول العربية والخليجية وعودة السياح الخليجيين الى لبنان وتطوير العلاقات التجارية والدعم للمؤسسات العسكرية والأمنية كإنجازات يحفرها في سجل العهد، مستفيداً من التوافق الوطني حوله ومرونة حزب الله تجاه الزيارة، كما تمكّن من إيجاد معادلة التوازن المفقود منذ سنوات في العلاقات بين المحاور الإقليمية وتحديداً بين إيران والسعودية، وأن يسلك طريقاً مليئة بالألغام لإرضاء الجهتين وألا أن يكون مع طرف ضد آخر.
أما دوره على صعيد التقارب بين طهران والرياض، فهو أمر أكبر من لبنان، بحسب ما قالت مصادر دبلوماسية لـ»البناء»، نظراً لحجم الملفات الخلافية ما بين ضفتي الخليج وثانياً أن قيادة المملكة ليست مضطرة الآن للتطبيع مع إيران قبل تسلم الإدارة الأميركية ومعرفة سياساتها في المنطقة العربية والشرق الأوسط وكيف ستكون علاقاتها بالسعودية، خصوصاً مع إعلان الرئيس دونالد ترامب، بأنه سيتحدّث في شأن أزمات المنطقة مع تركيا والسعودية مما يعني أن التسوية بنظر الرياض لم يحن أوانها بعد والمساومات ستتم مع إدارة ترامب وليس مع إيران، غير أن زيارة عون الى السعودية وقطر تخفف من منسوب التوتر بين الدولتين.
وحسم عون جدالاً طويلاً في الداخل والخارج، وعبر أهمّ منصتين إعلاميتين خليجيتين بأنّ «حزب الله لم يستجلب الإرهاب الى لبنان»، بردّه على سؤال: «لا أعلم إذا كانت الولايات المتحدة استجلبت الإرهاب إليها، أو فرنسا أو أفغانستان أو غيرها من الدول، فالإرهاب أصبح حركة عالمية والأذى الذي يلحقه يطال الجميع».
وفي حديث تلفزيوني، أشار المشنوق الى أن «كلام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أطلق كلاماً مهماً، بحضور عون وكان عاطفياً ومؤثراً ومسؤولاً، كما تحدّث عن عودة السعوديين إلى لبنان في الصيف، وهذا عنوان استقرار للبلد»، لافتاً إلى أنه «منذ العام 2010 وإقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ولبنان يشهد أزمة مع الدول الخليجية، أما اليوم فالنظرة باتت مختلفة»، موضحاً أن «الوزراء السعوديين واللبنانيين اتفقوا على عدد من الملفات والتعاون بين لبنان والسعودية»، معتبراً أن «هذا اول انفتاح ذو مضمون جدّي بين لبنان والدول العربية وتحقق بعد زيارة عون للسعودية وقطر».
وأوضح المشنوق أن «الهبة السعودية المخصصة للجيش اللبناني أوقفت في السابق، لأسباب سياسية وتنفيذها سيكون له ثمن سياسي».
وأشار المشنوق إلى أن «الأمير الحالي في قطر تميم بن حمد جاء سراً في العام 2006 الى لبنان وزار الجنوب»، لافتاً إلى أن «الوفد اللبناني وخلال زيارته قطر طالب بحلحلة قضايا بعض اللبنانيين الذين يعملون في قطر لا سيما لناحية إجازات العمل». وأكد المشنوق أنه يؤيد الواقعية السياسية التي تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الدرزية الفائقة، مشدداً على أن «هناك صعوبة كبيرة في الوصول الى قانون انتخاب في الوقت المناسب، لأن الوقت المتبقي هو شهر أو اثنان»، موضحاً أن «طبيعة قانون الانتخاب، وإن تمّ التوصل إلى قانون جديد، هي التي تفرض المهلة التي نحتاجها لإجراء الانتخابات»، مضيفاً «لن أدعو لأي تأجيل تقني للانتخابات ما لم يوضع قانون انتخاب جديد». ورأى أن «هيئات الرقابة مشلولة بسبب تدخل السياسيين من دون توقف وفي كل مناسبة، وعلى اللبنانيين المطالبة بتفعيلها بدلاً من الشكوى فقط».
وأشار المشنوق إلى أن كل ما سمعته من كلام وزير العدل السابق أشرف ريفي «لا يستأهل التعليق»، مضيفاً «الانتخابات مقبلة وكل شخص سيتمثل بحسب حجمه، إذا كان لديه حجم، ونحن «تيار المستقبل» نحدّد الثوابت وليس غيرنا، ولا نريد شهادات من أحد»، مؤكداً أنه «لا يجوز الإبقاء على 67 مرافقاً لشخصية وزارية سابقة».
ولكن المصدر يبدي اعتقاده بأنه «رغم التغيير في السياسة السعودية تجاه لبنان، إلا أنها لن تعود الى سابق عهدها في كلّ المجالات خلال 24 ساعة، بل بشكلٍ تدريجي وكلّ الوعود السعودية بما فيها رفع التمثيل الدبلوماسي الى مستوى سفير لم تقيّد بمهل زمنية بل تركت مفتوحة بشكلٍ متعمّد رهن التطورات في لبنان والمنطقة والسعودية نفسها».
ويضيف المصدر أنّ «هدف السعودية الأول ألا يتمدّد النفوذ الإيرني في لبنان أكثر، وألا تزوّد إيران لبنان بالسلاح الإيراني وألا تتوطد العلاقات بين الجيشين اللبناني والإيراني، على حساب الجيشين اللبناني والسعودي، كما أنّ السعودية تملك أوراقاً عدة تهمّ لبنان، أهمّها عودة السياح والاستثمارات الى السوق اللبنانية الى جانب أنها تشكل نافذة لبنان على الدول الخليجية». وأوضح أنّ «القدرة الشرائية للسياح السعوديين تقلصت رغم الارتفاع النسبي لأسعار النفط في الآونة الأخيرة، لكن تبقى قدرة السائح السعودي المالية الأفضل بين السياح في العالم».
وأشارت قناة «أو تي في» الى أنّ «اجتماعاً قريباً بين وزيري الدفاع اللبناني والسعودي للبحث في كيفية دعم القوات المسلحة اللبنانية، ما يفتح الباب امام البحث في الهبة».
ورداً على سؤال، أكد «أنّ خيار مشاركة البعض في الحرب السورية لم يكن للدولة، وأنا كرئيس دولة أمثل كلّ اللبنانيين ليس لي الحق أن أكون مع أحد ضدّ الآخر، من هنا فإنّ الحياد الإيجابي هو الموقف السليم». وأضاف أنه «لا يوجد دور للمقاومة داخل لبنان، وقد بات هذا الدور جزءاً من أزمة الشرق الأوسط التي ينخرط فيها الأميركيون والروس وإيران والمملكة العربية السعودية».
وكشف عون، في حديث آخر مع قناة «الجزيرة» القطرية خلال وجوده في الدوحة، أنه «تمّ إيضاح كلّ المواضيع في المحادثات، كما تمّ طيّ صفحة قديمة وفتح أخرى جديدة»، لافتاً إلى أنّ موضوع تقديم المساعدات للجيش اللبناني بما فيها الهبة السعودية مطروح «وهو قيد التشاور بين الوزراء المختصين، وأنّ الأمر لم يُحسم بعد لوجود بعض القضايا المعقدة، باعتباره ليس بين لبنان والمملكة فحسب بل مع فرنسا كذلك».
وعن قضية المخطوفين اللبنانيين، لفت عون إلى أنه «مهما كانت النتائج يجب ألا نيأس وأن نتابع الجهود، ونأمل دائماً أن تحين اللحظة التي نتمكن فيها من الوصول الى حل، الأمر الذي يستوجب طرفين».
وعلمت «البناء» أنّ الوفد اللبناني طلب من السلطات القطرية المساعدة في ملف المخطوفين ووعدت الدوحة بالمساعدة في هذا الإطار.
أما في ملف النازحين السوريين، قال عون: «طرحنا موضوع اللاجئين خلال الزيارة من الناحية الاقتصادية والأمنية والحياتية، وهناك مساعدات تصل عبر الأمم المتحدة، لكنها غير كافية ولا حوار حالياً مع السلطات السورية حول إمكان توفير بيئة آمنة لعودة النازحين، إنما لا شيء غير ممكن. وقد تحلّ اللحظة المناسبة لإقامة مثل هذا الحوار، ونحن نلمس منهم وفق تصريحاتهم ومواقفهم، رغبة في ذلك، والتنسيق مع الإدارة السورية يجب أن يتخذ فيه قرار على مستوى وطني ضمن القرارات الداخلية».
ولم يغب قانون الانتخاب عن اهتمامات عون، فقد أشار الى أنّ «الانتخابات النيابية المقبلة ستُجرى على أساس قانون جديد، لأنّ إرادة اللبنانيين متوفرة لإنجازه والنقاش يدور عما هو الأفضل بالنسبة للجميع». وأضاف: «أنا أفضّل النسبية، وهناك طرح مختلط بين النسبية والأكثرية، المهمّ أن نتوصل الى اتفاق على صيغة من الصيغ المطروحة. وحتى الآن لم يقرّر أيّ تمديد تقني للانتخابات والحاجة هي التي تفرض نفسها في هذا الشأن».
وعلمت «البناء» أنّ «أجواء إيجابية سادت الجلسة وكان اتفاق على ضرورة تفعيل عمل المجلس النيابي والتسريع في الجلسة لإقرار جدول أعمالها مع التأكيد على ضرورة التسريع بإنجاز قانون جديد للانتخاب قبل أن تضيق المهل القانونية على الجميع ونعود مكرهين الى الستين».
ورفض تكتل التغيير والإصلاح خلال اجتماعه الأسبوعي في الرابية، «كل تمييع لأخذنا الى قانون الستين او التمديد غير المعروف السقف، لذلك انتهى وقت النقاش النظري وبات لإعلان المواقف بصراحة من الصيغ المطروحة والمعروفة من الجميع. والجدية تقتضي أن يكون هناك موقف واضح ولا يمكن الاستمرار بالتمييع والتمديد للأمر الواقع».