عاد الرئيس المكلف سعد الحريري من "الإجازة العائلية". من المفترض أن يعجل ذلك في تأليف الحكومة. لكن كيف سيحدث التأليف و"الأحجام المنفوخة" لا زالت "منفوخة". كيف سيعجل، بل كيف سينجح الحريري في مهمته (غير) الشاقة، من دون أن يعترف بنتائج الإنتخابات النيابية. ومن دون أن يقر بأن لبنان قد دخل في مرحلة سياسية جديدة صبيحة يوم 7 أيار 2018. حتى في حساب "البازار اللبناني"، لا يمكن أن تحصل كتلة نواب سعد الحريري (20 نائب)، وكتلة نواب وليد جنبلاط (9 نواب) وكتلة نواب سمير جعجع [العميل “الإسرائيلي” السابق] (15 نائب) على نصف الحكومة (15 وزيراً). وأن "تترك" لكتلة نواب التيار الوطني (29 نائب) وحزب الله وأمل والقومي وحلفائهم (45 نائب) النصف الباقي (15 وزيراً) … لبنان يتغيَّر. لبنان سيتغيّر.
اللواء
شظايا «تفاهم معراب» تفاقم العُقَد عشية قمّة هلسنكي!
محرّكات التبريد تبدأ بلقاءات رئاسية.. وباسيل منشغل بالمونديال.. وبكركي تتدخَّل
ما طبيعة العقد التي تحيط بملف تأليف الحكومة؟ هل هي مسيحية تتصل «بتفاهم معراب» ومآله الوخيم، وبسرعة قياسية انتهت مفاعيله بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، أم بالعقدة الدرزية، أم بعقدة تمثيل سنة 8 آذار، أم تكتل النائب السابق سليمان فرنجية الذي يطالب بوزيرين؟
المعلومات تتحدث عن ان المشكلة خارجية أكثر منها داخلية، وهي تتصل اساساً بموقع لبنان ودوره في مرحلة إعادة بناء مواقع النفوذ الإقليمي والدولي، على بعد مسافة أسبوع على قمّة هلسيكي بين الجبارين الأميركي والروسي..
الأوساط القريبة من الرئيس سعد الحريري، استبقت عودته بوصف عقد تأليف الحكومة بالسياسية وبالاحجام، والجنوح التمثيلي للقوى المتصارعة على نقاط ومسائل تتعدّى الشأن الوزاري بحدّ ذاته..
ولم تخف هذه الأوساط اعتقادها بأن المهمة الملحة للرئيس المكلف غداة عودته هي الاجتماع مع الرئيس ميشال عون والبحث في كيفية تبريد الأجواء، والانصراف من ثم إلى مقاربة جديدة، وفقاً لمعايير معتمدة لوضع مسودة جديدة للتأليف الحكومي.
ولدى الرئيس المكلف في السراي الكبير سلسلة مواعيد اليوم على ان تشمل لقاءاته الملف الحكومي، لا سيما بعد عودة الوزير باسيل من اجازته أيضاً.
ولئن كان من المتوقع ان يلتئم شمل المعنيين بالتأليف، بالعودة إلى البلاد، من اجازات الاستجمام واللقاءات العائلية، البعيدة عن الصخب السياسي وهموم السياسة اللبنانية القاتلة، فإن مصدراً نيابياً في 8 آذار لا يتوقع، رداً على سؤال «اللواء»، حدوث اختراق يذكر على الصعيد الحكومي.
«جرعة أوكسجين»
إلى ذلك، يفترض ان تعطي عودة الرئيس برّي إلى مزاولة نشاطه اليوم، بعد عودته من اجازته العائلية، جرعة من الاوكسجين في الجسد السياسي اللبناني المثخن بالجراح، نتيجة الصراعات والخلافات على الاحجام والحصص والتمثيل في الحكومة، فيما مشاورات أو بالاصح «مفاوضات» تأليف الحكومة من غير المنتظر ان تتحرك قبل عودة الرئيس الحريري من اجازته العائلية خلال الساعات المقبلة، إضافة إلى رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، والذي كشفت معلومات أمس انه لن يعود إلى بيروت قبل انتهاء مباريات نهائي «المونديال» يوم الأحد المقبل، إذ انه بحسب ما كشفت محطة «الجديد»، سينتقل غداً الثلاثاء من إيطاليا إلى روسيا لمتابعة مباريات «المونديال»، بدعوة من أحد رجال الأعمال.
وأوضحت مصادر على صلة بعملية تشكيل الحكومة، انه مع عودة الرئيس الحريري من اجازته سيجدد اتصالات تأليف الحكومة، وتبريد الأجواء كما فعل سابقاً.
وقالت ان الحريري سيعمل مع رئيس الجمهورية على حلحلة العقد التي باتت سياسية بإمتياز ولا علاقة لها بعملية تشكيل الحكومة، بل هي بين قوى متصارعة على عدد من الأمور، في إشارة إلى النزاع القائم بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية».
ولم تستبعد المصادر ان يُطلق الحريري حركة ناشطة باتجاه كل الأطراف، وقد يتقدّم بصيغة جديدة لتشكيل الحكومة، تحدثت بعض المصادر المتابعة، عن انها قد تكون عشرينية لتخفيف مطالب القوى السياسية، إذا وافقت الأطراف السياسية المعنية عليها، والا يعود الحديث عن صيغة ثلاثينية يريدها الجميع، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية، رغم ان هذه الصيغة تعني بقاء عقد التمثيل المسيحي والدرزي والسني من خارج «تيار المستقبل» على حالها.
وقالت مصادر قريبة من «بيت الوسط» ان الرئيس الحريري مصر على تشكيل الحكومة في أقرب وقت وانها ترى ان الأمور ما تزال في وقتها الطبيعي، لكن ذلك لا يعني الاستمرار في المراوحة، وبالتالي فإن الرئيس المكلف الذي لا يمكن ان يتنازل عن صلاحياته سيتخذ الموقف المناسب ويعلن عن الحكومة في الوقت المناسب، استناداً إلى ما يقوله الدستور بعيداً عن كل الأعراف التي يحاولون فرضها عليه.
لقاء برّي – الحريري
وتوقعت المصادر إياها، ان يعقد اجتماع على مستوى من الأهمية، خلال اليومين المقبلين بين الرئيسين برّي والحريري في عين التينة، يكون عنوانه التشاور في ما حصل ويحصل من تطورات سواء على صعيد عملية تأليف الحكومة، أو على صعيد الصراعات التي انفجرت بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، والتي كان من أبرز تداعياتها سقوط «تفاهم معراب» بالضربة القاضية، وبالتالي البحث عن تأثيرات سقوط الاتفاق على العهد والواقع المسيحي برمته وعلى عملية تشكيل الحكومة.
وقالت ان الرئيس الحريري سيضع برّي في طبيعة الجهود التي قام بها في غيابه لتبريد الأجواء السياسية تمهيداً لتأليف الحكومة في أجواء هادئة، وانه لهذه الغاية طلب من الرئيس ميشال عون ان يُصار إلى «غسل قلوب» بينه وبين كل من رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، الا ان اللقاءين اللذين بادر الرئيس عون إلى تحقيقهما لم يؤديا الغاية المنشودة، على الرغم من انهما كانا ايجابيين، وبدلاً من ان تحقق خارطة الطريق التي اتفق عليها عون وجعجع إلى «كسر الجليد» بين الأخير والوزير باسيل، انفجر الخلاف بينهما على نطاق واسع، كان من ضحاياه سقوط «تفاهم معراب»، عبر تسريبه إلى الإعلام من قبل الطرفين معاً.
اتفاق محاصصة
والسؤال الذي يفترض ان يكون الطرفان مسؤولين عن إيجاد الجواب عليه، هو: هل يُمكن إعادة الحياة إلى اتفاق معراب؟ وكيف؟ ومن هي الجهة أو الطرف الثالث الذي يُمكن ان يدخل على خط رأب الصدع بينهما؟ وبالتالي ما هو تأثير سقوط التفاهم على مشاركة «القوات» في الحكومة؟
مبدئياً، لا يوجد طرف ثالث له مصلحة في تفاهم المسيحيين، غير البطريركية المارونية التي طالما لعبت دورا في تقريب المسافات وتوحيد الصف المسيحي، علما ان الكشف عن «تفاهم معراب» ترك ردود فعل سلبية لدى القوى المسيحية الأخرى وتحديدا حزب الكتائب وتيار «المردة» والتي رأت في اتفاق «القوات» و«التيار» إلغاء لهذه القوى وضربا للتنوع الذي يُشكّل ميزة هذا البلد، بحسب ما رأى عضو «التكتل الوطني» النائب طوني فرنجية، بعد اجتماع لهذا التكتل في بنشعي، كما انه يكرّس بشكل فادح مبدأ المحاصصة من دون مراعاة للكفاءة، وبحسب فرنجية نفسه الذي اعرب عن اسفه لما قرأه في اتفاق معراب، قائلاً: «هناك مثل يقول: (كلما جن خصمك افرح له)».
وفي المعلومات ان البطريرك الماروني بشارة الراعي سيبادر فور عودته من روما ظهر اليوم إلى دعوة ممثلين (نواب أو وزراء) من طرفي التفاهم إلى الاجتماع في بكركي لترطيب الأجواء، ومحاولة معالجة ما حصل، مشيرة إلى ان بكركي لن ترضى عودة الأمور إلى مربعها الأوّل، وبالتالي عودة التشنج والاحتقان بين المسيحيين، مشددة على ان التنافس على خدمة الوطن والتعاون شيء ورفض الآخرين شيء آخر».
واللافت في هذا السياق، هو ما طرحته مصادر مسيحية قريبة من أجواء بعبدا لـ «اللواء» بالنسبة لمعالجة العلاقة المتشنجة بين «التيار» و«القوات» والتي قالت انها لا تملك تصورا في شأنها، لكنها لاحظت ان هناك مسألتين تحكمان مفهوم العلاقة بين الطرفين، وهما: «ورقة النوايا» التي أعلنت في الرابية والتي تُعزّز المصالحة المسيحية- المسيحية ولا خلاف حولها لأنها مسألة وطنية، و«تفاهم معراب» الذي يخضع لتجاذبات سياسية حينا ومن أجل التفاهم احيانا».
وأشارت إلى ان المصالحة المسيحية شيء وقد نتجت عن «ورقة النوايا» و«تفاهم معراب» وهو الشق السياسي من العلاقة، ومن الممكن ان نختلف في السياسة أو نتفق، لكن ذلك لا يؤثر على المصالحة التي لا عودة إلى الوراء فيها.
«هاشتاغ التخوين»
غير ان هذه المقاربة الرسمية لم تستطع ان تخفي ان انفجار الأزمة بين «التيار» و«القوات» يتمدد بسرعة باتجاه الشارع المسيحي، حيث اندلعت على منصات مواقع التواصل الاجتماعي حرب بلغت سقفا عاليا من التصعيد، واستخدمت فيها اقذع المصطلحات (على حدّ تعبير المؤسسة اللبنانية للارسال) بلغت حدّ التخوين، إذ نشط على «تويتر» «هاشتاغ»: «معراب- خانت لبنان» ليقابلها بسرعة «هاشتاغ»: «معراب- صانت لبنان»، الا ان هذه الحرب بقيت على مواقع التواصل، من دون ان تصل الى محطات التلفزة العائدة للطرفين، في إشارة شبه خجولة إلى إمكان عودة التوصّل بعد عودة باسيل من الخارج، بحسب ما توقعت مصادر قواتية لمحطة O.T.V التي لاحظت ان التيار اعتمد إزاء ما جرى صفة المتفرج فيما عدا بعض التعليقات العابرة أو غير المباشرة، عبر وسائل الإعلام وردود الفعل الشعبية عبر مواقع التواصل، فيما غاب أي موقف رسمي من التيار ومن العهد إزاء ما قامت به «القوات» من تسريب للتفاهم.
اما مصادر «حزب الله»، فقد كانت بدورها أكثر تشاؤماً، إذ توقعت ان لا يختلف الأسبوع الطالع عن سلفه بالنسبة إلى تأليف الحكومة، «فلا انفراجات متوقعة، بل توقعات بمزيد من التأزم مع إصرار بعض الاحجام على الانتفاخ والمقامرة، وسط غياب التصورات الواضحة للحل على خط الرئيس المكلف، وفق ما جاء في مقدمة النشرة المسائية لمحطة «المنار» التي شددت على ان الإجماع الوطني على سرعة التأليف أصبح حاجة ملحة، منعاً للاقتراب من ثقوب سوداء قد تبتلع البلد نحو مجهول اقتصادي واجتماعي لا عودة عنه، في ظل ترنح كل مسارات الإدارة اللبنانية عن مواكبة حاجات المواطنين وضرورات معيشتهم والتي كان أبرز معالمها وقف قبول طلبات القروض السكنية حتى اشعار آخر.
وأوضح المكتب الإعلامي للمؤسسة العامة للاسكان ان هذا الاجراء الذي اتخذه مجلس إدارة المؤسسة «جاء منعاً للاحراج والتدخلات والوساطات، بعدما لاقت بعض المصارف صعوبة في الموافقة على جميع طلبات القروض السكنية المستوفاة كامل شروط بروتوكول التعاون الموقع بين المؤسسة وجمعية المصارف، ولجوء أخرى إلى الاستنسابية في التعاطي مع المقترضين».
البناء
الجيش السوري يفرض شروطه بالقوة في الجنوب… والجماعات المسلحة تحتضر شرقاً وغرباً
سورية تتجاهل عرض العودة لفك الاشتباك وتتصدّى للغارة على التيفور… ولبنان في الجمود الحكومي
«القومي» يحيي ذكرى مؤسسه وقانصو متمسكاً بالوحدة والمقاومة… وأمل وحزب الله: حلفنا ثابت
تبدو كل عقد المنطقة قد تجمّعت في جنوب سورية عشية قمة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وتبدو مستمرة في رسم إيقاع القمة حتى يحين موعدها. فالتفاوض يجري تحت النار وليست هناك تسويات. والجماعات المسلحة تنهار وتتشظى وتنشطر على نفسها والاتهامات بالخيانة متبادلة بين أركانها ورعاتها، وفي الميدان الحسم العسكري يتقدّم من موقع إلى موقع، فبعد معبر نصيب الحدودي وبصرى الشام وقبلهما بصر الحرير كمحطات فاصلة لمحاور شرق درعا، المدينة تدخل مرحلة الحسم بدورها مع استرداد الجيش لموقع الدفاع الجوي جنوب غرب المدينة، والمحاور الغربية للمحافظة وصولاً لحارة تعيش السيناريو الذي مرّت به مواقع الجماعات المسلّحة في محاور الشرق، وورقة النازحين تسقط من سوق الابتزاز، بعدما تمّ تأمين عودتهم من الحدود الأردنية إلى قراهم برعاية الجيش السوري حسب اعتراف الأمم المتحدة. وحال الذهول الإسرائيلية تتواصل فصولاً، حيث لا فرص لصمود أي من الجماعات المسلحة حتى في خط الحدود مع الجولان المحتل، لاسترداد الأنفاس والدخول في تفاوض. والعرض الإسرائيلي العلني بالعودة لفك الاشتباك المعمول به منذ العام 1974 حتى عام 2011 عندما أسقطته «إسرائيل» بدعم الجماعات المسلحة للسيطرة على المناطق المتاخمة للجولان المحتل واجتياح مواقع مراقبي الأندوف الأمميين، بقي عرضاً معلقاً في الهواء رغم توقعات إسرائيلية بتلقي جواب سوري فوري. وبدا أن سورية غير مهتمة بالعرض الإسرائيلي ومصممة على استعادة جغرافيتها المحتلة من الجماعات المسلحة دون تفاهم مع «إسرائيل» يطال مستقبل قواعد الاشتباك، سواء بما يتصل بمدى وحدود تمركز حلفاء سورية في المقاومة في المناطق التي يدخلها الجيش السوري، أو ما يتصل بكيفية التعامل مع جيش الاحتلال في الخطوط الحدودية.
القلق والذهول الإسرائيليان عبّر عنهما الاعتراف الإسرائيلي العلني بالانتصارات السورية وطبيعتها المبهرة، سواء لجهة السرعة أو المدى، أو لجهة درجة التنظيم والمهارة والاحترافية التي يظهرها في الميدان، ومعهما قدرة الجمع بين العمل العسكري والعمل الاستخباري والعمل السياسي لتفكيك الجماعات المسلحة بالتوازي مع خطط الهجوم العسكري، وإتقان قواعد الحرب النفسية في كل مرحلة من مراحل التقدم. وفي تعبير عن تحرّش إسرائيلي تفاوضي ورسالة غضب لغياب التفاعل مع عرضها بالعودة لفك الاشتباك بصورة تضمن أمن الحدود في الجولان المحتل، قبل بلوغ وحدات الجيش السوري النقاط الحدودية، قام الطيران الإسرائيلي بواسطة طائرات الشبح الـ»إف 35» المسلّمة حديثاً من الأميركيين على مطار التيفور قرب حمص، فكان الرد الجاهز من الدفاعات الجوية السورية لتأكيد التمسك برفض التفاوض على شروط تتصل بمستقبل معركة الجنوب. وسجلت الدفاعات الجوية إنجازات بارزة تملّصت بإسقاط العديد من صواريخ الغارة، رغم كون الطائرات المغيرة من الأجيال التقنية المتطورة، وتمتعها بأفضل وسائل التمويه والمناورة، بينما تحدثت بعض المصادر عن إصابة إحدى الطائرات المغيرة.
الشأن الحكومي اللبناني لم يعرف جديداً إيجابياً، وتخشى مصادر متابعة أن يبقى هذا الوضع من الجمود مسيطراً على الشأن الحكومي لما بعد نهاية الشهر الحالي، بعدما صارت معادلة تشكيل الحكومة أكبر من مجرد توزيع حصص وتقدير أحجام. ودخلت العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مرحلة من التوتر والتصعيد، لم يعد مهماً معها القول ما إذا كان اتفاق معراب لا زال حياً أم أنه مات وانتهى، وصار البتّ بالحصص الحكومية للفريقين يحتاج مبادرة رئاسية يضمن فيها رئيس الجمهورية الحد الأدنى الذي يستطيع إلزام التيار الوطني الحر بقبوله، مقابل ضمانة رئيس الحكومة لحصة الحد الأدنى التي يستطيع ضمان التزام القوات بها، سواء لجهة عدد المقاعد أو نوعية الحقائب، ويبدو وفقاً لمصادر معنية بمفاوضات التأليف أن هذه المبادرة تصطدم بالعقدة العالقة بين الرئاستين سواء ما يخصّ التمثيل الدرزي، وخصوصاً تمثيل السنة من خارج تيار المستقبل، حيث يتطلع رئيس الحكومة لمقايضة تعاونه في ترتيب الحصص المسيحية بالحصول على تثبيت حصرية تمثيله للمقاعد السنية في الحكومة، وهو ما يرفضه رئيس الجمهورية. فيما تتحدّث مصادر على صلة بالمسودات التي يتداولها الرئيس المكلف عن إمكانية حلّ العقدة المسيحية وفقاً لفصل حصة التيار عن حلفائه في تكتل لبنان القوي كحزب الطاشناق والمستقلين، وهم يمثلون ثلث نواب التكتل أي 10 نواب، والفصل بين الحصتين وحصة رئيس الجمهورية، ما يضمن تقارباً بين حصتي القوات والتيار وفقاً لمعادلة 15 نائباً للقوات مقابل 19 للتيار من جهة، وحصول التيار ورئيس الجمهورية والحلفاء في التكتل على مجموع يقارب التطلّعات، لكنّها تشترط التفاهم على التمثيل السني قبل البحث بهذه المبادرة.
بالتوازي كان الحزب السوري القومي الاجتماعي يحيي ذكرى اغتيال مؤسسه الزعيم أنطون سعاده ورحيل الأمين علي قانصو مؤكداً التمسك بالثوابت التي قامت عليها عقيدة الحزب وهي حماية وحدة النسيج الاجتماعي ومواجهة مشاريع التفتيت من جهة ومقاومة الغزو الأجنبي والمشروع الصهيوني من جهة أخرى، وفي كلمة رئيس الحزب في ذكرى الثامن من تموز تأكيد على دور القوميين في جبهات المواجهة مع مشاريع التفتيت والتزامهم خيار المقاومة، وفي ذكرى قانصو إجماع في كلمات رئيس الحزب ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد ووزير المالية علي حسن خليل على دور الحزب ومتانة التحالف الذي يجمع قوى الخيار المقاوم.
وأجمع الناشف ورعد وخليل على ضرورة ألا يتأخر تشكيل الحكومة أكثر. وفي كلماتهم أمس، خلال إحياء ذكرى أسبوع الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير الأمين علي قانصو في بلدة الدوير الجنوبية أكد المسؤولون الثلاثة أنّ البلد بحاجة إلى معالجة التحديات التي يواجهها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمالي. وهذا يتطلب المسارعة إلى تشكيل الحكومة الجديدة، باعتماد الضروري من معايير واحدة ومحدّدة، لتجد القوى السياسية بغالبيتها الواسعة تمثيلاً وحضوراً ومشاركة لها في حمل أعباء مسؤولية إدارة شؤون البلاد والعباد، ومعالجة ملفات قديمة ومستجدّة في الكهرباء والاتصالات والنفايات والمقالع والكسارات والركود الاقتصادي والعجز المتنامي، وملف النازحين وإصلاح الإدارة ومكافحة الفساد وغير ذلك من الملفات…
وبينما يطلّ الأمين العام لحزب الله الأسبوع المقبل لمناسبة ذكرى حرب تموز في 12 الحالي للحديث عن الملف الحكومي والأوضاع في المنطقة، لا سيما تطوّرات الجنوب السوري، تعود المشاورات الحكومية لتنطلق من جديد هذا الأسبوع، حيث يستأنف الرئيس سعد الحريري اليوم بالتنسيق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مشاوراته في غضون ساعات بعد عودته من عطلته العائلية. كذلك يستعيد رئيس مجلس النواب نبيه بري نشاطه في عين التينة بعد إجازة عائلية في إيطاليا امتدّت عشرة أيام.
بيد أن بوادر الحلحلة ليست على الأبواب أقلّه في القريب العاجل، مع احتدام الصراع العوني القواتي، لا سيما بعد نشر حزب القوات اتفاق معراب بصفحاته الأربع وبنوده. وبالتالي فإن تبريد وتلطيف الأجواء بين الرابية ومعراب، لن يكون بهذه السهولة.
وتؤكد مصادر القوات اللبنانية لـ «البناء» أن كلام الوزير جبران باسيل خلال إطلالته التلفزيونية الأربعاء الماضي أعاد الأمور بين الرابية ومعراب إلى نقطة الصفر، بعدما كان الدكتور سمير جعجع أوعز الى المسؤولين القواتيين، عقب لقائه الرئيس عون والرئيس سعد الحريري اعتماد خطاب التهدئة، مشيرة إلى أن رئيس التيار الوطني الحر هو المسؤول عن إطاحة إعلان النيات، ويبدو أنه ينتهج سياسة التصعيد عمداً لكي تخرج الأمور عن السيطرة. وأضافت المصادر أن الرئيس المكلف متفهم جداً لمطالب القوات ويقف عند أحقيتها بعدد الوزراء.
في موازاة ذلك، ينتظر تكتل لبنان القوي عودة الوزير باسيل من إيطاليا ليبني على الشيء مقتضاه حيال نشر القوات اتفاق معراب، إذ من المتوقع أن يتطرّق بإسهاب إلى اجتماع لبنان القوي يوم غد الثلاثاء إلى «فعلة» القوات، مع إشارة مصادر التكتل لـ»البناء»، إلى أن التيار الوطني الحر من أشد الحريصين على غرار الرئيس ميشال عون بالمصالحة المسيحية وبسائر التفاهمات، بيد أن هذا الإعلان بات يحتاج الى إعادة نظر في بنوده من أجل ترميم ما انكسر، لافتة الى ان الامر قد يكون ممكناً اذا تخلت القوات عن سياسة المواجهة التي اعتمدتها اسلوباً في وجه وزراء التيار، في حين أنه كان من المفترض ان تكون الداعم الاول للعهد، بدلاً من أن تضع العصي في دواليب المشاريع والملفات والخطط التي يسعى رئيس الجمهورية إلى إنجازها، وتلجأ الى استهداف العهد بشكل مدروس.
ومع الاشتباك القواتي العوني، يرجّح أن يسارع البطريرك الماروني بشارة الراعي في الساعات المقبلة إلى جمع الحزبين المسيحيين بهدف وضع حد للتشنج الحاصل على الجبهتين، وتقريب وجهات النظر، لا سيما ان المصالحة التي تحققت جراء اتفاق معراب أنهت الاحتقان الذي كان سائداً على الساحة المسيحية، وبالتالي لن يقبل البطريرك الراعي، بحسب مصادر بكركي لـ «البناء» أن تعود الأمور الى ما كانت عليه قبل إعلان النيات، وسيشدّد على ضرورة ان يكون التنافس في إطاره الديمقراطي.
وفيما تراوح العقدة المسيحية مكانها، فإن العقدة الدرزية لا تزال على حالها، مع تأكيد مصادر معنية لـ «البناء» أن الأزمة لا تزال على حالها في الحصة الدرزية، فلقاء رئيس الجمهورية والنائب السابق وليد جنبلاط لم يحدث أي خرق في الملف الحكومي، فالحزب التقدمي الاشتراكي مصرّ على الإمساك بالحقائب الدرزية الثلاث انطلاقاً من صحة التمثيل وما أفرزته الانتخابات النيابية.
أما حزب الله، فتدعو مصادره الى ضرورة اعتماد معيار واحد عند التشكيل الحكومي، بعيداً عن الاستنسابية، لأن من شأن ذلك أن يضع حداً للمطالب المضخّمة، وأكد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أن «الحكومة التي تصلح في هذه المرحلة لإدارة شأن لبنان بالطريقة التي تحفظ سلمه الأهلي واستقراره الداخلي هي حكومة جامعة تتمثل فيها مختلف القوى السياسية بأحجامها التي أنتجتها وأفرزتها نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.» وشدّد النائب نواف الموسوي على أن الابتزاز لن ينجح في إرغام الحزب على إلغاء نتائج الانتخابات، لافتاً الى قرار إقليمي لتشويه سمعة المؤسسات الدستورية في لبنان، بدءاً من رئاسة الجمهورية التي تتعرّض لحملة سياسية. وشدّد على أن تكوين المؤسسات الدستورية والمؤسسات الإدارية في الدولة، يجب أن يأخذ في الاعتبار احترام نتائج الانتخابات النيابية، وقال ليس من حق أي جهة أن تحتكر التعيينات القائمة على أساس طائفي، ولا يستطيع أي مسؤول مهما كانت صفته أن يقول أنا الوحيد الذي أسمّي أسماء المنسوبين إلى هذا الجهاز من الطائفة الفلانية، لأن الانتخابات النيابية أظهرت تعددية التمثيل، وإذا كنا نتحدّث عن التمثيل السني، فإن أكثر من ثلث التمثيل السني خارج تيار المستقبل، وبالتالي ليس من المقبول أن تأتي التعيينات في مؤسسات الدولة حكراً على تيار المستقبل دون غيره من القواعد الشعبية التي صوّتت لغير تيار المستقبل.
الى ذلك اعلن التكتل الوطني بعد اجتماعه في دارة النائب السابق سليمان فرنجية أن تشكيل الحكومة، يجب أن يعتمد معياراً واحداً، وأن يحترم نتائج الانتخابات النيابية. وجدّد المطالبة بحقيبتين وزاريتين واحدة مسيحية وأخرى سنية. وتعليقاً على اتفاق معراب قال فرنجية «هناك مثل يقول «كل ما جن خصمك إفرح»، ولكن نحن تأسفنا على الذي شاهدناه في اتفاقية معراب».
الى ذلك يتقدّم ملف عودة بعض النازحين السوريين حيث غادرت السبت دفعة ثانية من النازحين السوريين بلدة عرسال، عبر حاجز وادي حميد في اتجاه الجرود باتجاه بلدات فليطا، وراس المعرة، وحوش عرب وقارة في القلمون الغربي، حيث أمنت المديرية العامة للأمن العام وبالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR العودة الطوعية لثلاثمئة وسبعة وسبعين نازحاً سورياً من مخيمات عرسال إلى سورية.
وعلى صعيد أزمة الإسكان أصدر المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان المهندس روني لحود مذكرة داخلية توجّه فيها الى رئيس المصلحة الإدارية والقانونية في المؤسسة طالباً وقف قبول أي طلب قرض سكني جديد، اعتباراً من نهار الإثنين الواقع فيه 09 تموز 2018 وحتى إشعار آخر، وذلك منعاً للإحراج والتدخلات والوساطات، بعدما لاقت بعض المصارف صعوبة في الموافقة على جميع طلبات القروض السكنية المستوفاة كامل شروط بروتوكول التعاون الموقع بين المؤسسة وجمعية مصارف لبنان، ولجوء أخرى الى الاستنسابية في التعاطي مع المقترضين.
في سياق آخر بشر الوزير السابق مروان خير الدين في حديث تلفزيوني أنه مع بداية العام المقبل ستُستأنف قروض المؤسسة العامة للإسكان، والموضوع لن يُترك من دون حل، لأن ما حصل في الإسكان هو حالة استثنائية لن تتكرر.
الجمهورية
الأزمة مفتوحة: معايير وأحجام وصلاحيات.. وبري يُلوِّح بجلسة لمناقشة أسباب التعطيل
يفترض أن يشكّل الأسبوع الحالي فرصة لانطلاقة متجددة على خط التأليف، ولكن في ظل العقد المتراكمة على هذا الخط، يضعف الأمل في بلوغ إيجابيات تُدخل الحكومة الضائعة حتى الآن في لحظة المخاض واحتمال الولادة الوشيكة.
عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري من زيارته الايطالية، وكانت أجواؤه تعكس انتظاراً لِما سيستجِدّ على خط التأليف، ليبني على الشيء مقتضاه كما يقول، ذلك انّ فترة الايام العشرة التي غابها عن لبنان، لم تبدّل في الواقع السلبي للتأليف، الذي تركه بري على هذه الصورة وعاد فوجد الصورة السلبية ذاتها.
مسودة جديدة؟
وينتظر ان تكتمل عودة المسافرين الاسبوع الحالي، بعودة الرئيس المكلّف سعد الحريري ايضاً في الساعات المقبلة، ربما اليوم او غداً. وسبقت عودته تأكيد لقاءين سيعقدهما مع كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب، كذلك سبقته إشارات لم تتأكد بأنه سيقدّم لرئيس الجمهورية مسودة جديدة لحكومته الثلاثينية، ووفق معايير تمثيلية يمكن ان تحظى بتوافق الاطراف حولها.
مصادر رئاسية اكدت لـ«الجمهورية» انّ إمكانية اللقاء بين الرئيسين عون والحريري طبيعية وواردة في اي وقت، لكن في ما خصّ اللقاء المقبل بينهما، وبصرف النظر عن موعد حصوله، لا معطيات في القصر الجمهوري حول ما يمكن ان يطرحه الرئيس المكلّف. والصورة نفسها في عين التينة، حيث ينتظر الرئيس بري عودة الحريري وما سيطرحه عليه ليبني على الشيء مقتضاه.
ولفتت المصادر الى أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه لن يطول، ولا بد من خطوة ما ستتخذ في وقت قريب بانتظار ان يكتمل حضور المسؤولين وبدء الاتصالات التي سيستأنفها رئيس الجمهورية في الوقت المناسب، من دون الكشف عن ماهية هذه الإتصالات ومضمونها.
بري: جلسة مناقشة
وقال بري أمام زواره: وضع البلد ليس على ما يرام، وسبق ان حذّرت من الوضع الاقتصادي الصعب والسيئ، واقول مجدداً انه لا يجوز ان يستمر هذا الوضع على ما هو عليه، وعلى هذا السوء الذي وصلنا اليه.
اضاف: ماذا نستفيد ويستفيد البلد والناس من انهيار الوضع الاقتصادي، الوضع سيئ واكثر من سيئ، ولا بد من مواجهته بما يتطلّب، لا يجوز ابداً الهروب من المسؤولية. اقول ذلك للجميع من دون استثناء، واؤكد انه لا بد من العمل على تشكيل الحكومة بشكل سريع.
وذكّر بري «اننا من البداية قدّمنا كل تسهيل لتشكيل الحكومة، واعتقدنا في لحظة معينة انّ الجو كان لتأليف سريع للحكومة، لذلك بادرتُ الى تأجيل انتخابات اللجان النيابية الى ما بعد تشكيل الحكومة الذي افترضنا انه لن يكون بعيداً. ولكن الآن وكما يبدو، الأمور في مكانها. وأمام هذا الوضع أجدني اؤكد انه اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فسأبادر اولاً الى دعوة مجلس النواب الى عقد جلسة انتخابية عامة لانتخاب اللجان النيابية بما يكمل هيكلية المجلس الذي لا يجوز ابداً ان يبقى مشلولاً، واذا اقتضى الامر أدعو الى جلسة مناقشة عامة لكل هذا الوضع، الذي يطال بسلبياته كل شرائح المجتمع اللبناني، هذا الوضع برسم الجميع حكومة ومجلساً وكل القوى السياسية.
وحول المعايير التي يفترض أن تتّبَع في تأليف الحكومة، قال بري: لا اريد ان ادخل في التفاصيل، ولكن يجب ان تكون المقاييس واحدة على الجميع. وعمّا يتردد عن دور ما للخارج في تعطيل تأليف الحكومة، قال بري: لا علم لي، ولا اريد ان اتكلم بشيء لا أملك ما يؤكده.
ما دون الصفر
على انّ هذه الاشارات غير المؤكدة حول إمكان تقديم الحريري لمسودة حكومية جديدة، تسقط على واقع حكومي مقفل بالكامل، والاجواء الطاغية على مطبخ التأليف تؤكد انّ الامور عادت الى ما قبل المربّع الاول.
وعلى ما يقول احد المشاركين الاساسيين في حركة الاتصالات على الخطوط السياسية كلّها: «انّ ما ورد على لسان مراجع رئاسية وسياسية عن نيّات جديّة لكسر حلقة العقد، وبالتالي التعجيل بتوليد الحكومة خلال فترة القصيرة التي تلي عودة الرئيسين بري والحريري من الخارج، هو كلام مجاف للواقع، وعبارة عن شيك بلا رصيد، خصوصاً ان الامور، وعلى الرغم من الصخب السياسي والاعلامي الذي رافقها منذ تكليف الحريري وحتى اليوم، لم تشهد تقدماً ولو قيد أنملة، بل بالعكس تراجعت الى ما دون نقطة الصفر».
أزمة خماسية
هذه الصورة السلبية تفتح الباب على مزيد من الوقت الضائع والتأخير، لا بل هي مرشحة الى مزيد من التعقيد، خصوصا مع تزايد حلقات مسلسل الازمات التي تتوالد على خط التأليف.
وبحسب الاجواء التي استخلصتها «الجمهورية» من مطبخ التأليف، فإنّ الأزمة الخماسية، وفق ما يلي:
الصلاحيات
أزمة الصلاحيات التي أطلّت برأسها من بعبدا وبيت الوسط، واثارت في اجواء الطرفين علامات استفهام حول من هو صاحب الصلاحية في تشكيل الحكومة.
اللافت في هذا الامر انّ الرئاستين الاولى والثالثة تحرصان على نفي وجود هذه الازمة، لكنّ مطّلعين عن كثب على أجواء الرئاستين يؤكدون انّ خط العلاقة بين عون والحريري ساخن، بالتوازي مع سخونة متزايدة في العلاقة بين الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، بحيث انتفَت الحميمية التي كانت عليها في السابق، بل على ما يقول عارفون انها اصبحت من الماضي.
وزاد من سخونة العلاقة بين عون الحريري، الكلام الاخير لرئيس الجمهورية حول انّ له رأياً في الحكومة ولا يكتفي فقط بتوقيع مرسوم تشكيلها. هذا الكلام سقط ثقيلاً على الوسط السني بشكل عام. وسبقته السخونة الاكبر التي سبّبها البيان الرئاسي الاخير، والذي تتمسّك به رئاسة الجمهورية، برغم انه أثار امتعاض الحريري، وحرّك اجتماع رؤساء الحكومات السابقين في وجه الرئاسة الاولى من باب الصلاحيات. وهو الامر الذي أثار بدوره امتعاض الرئاسة الاولى، التي اعتبر مقرّبون انّ الاجتماع موجّه ضد رئيس الجمهورية.
أزمة أحجام
ثانياً، أزمة الاحجام، والتي تجلّت بأقسى تعبيراتها في المعركة السياسية القاسية الدائرة بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية». ويبدو انّ هذه الأزمة مفتوحة لهذه الناحية، وخصوصاً بعدما دلّ نشر مضمون «تفاهم معراب» لجهة المناصفة وما الى ذلك. وبحسب أجواء الطرفين، فإنّ الامور بينهما بلغت نقطة اللّاعودة وانتهت الى خواتيم سلبية، مع تفاعل مضطرد لعناصر الازمة التي انطلقت مع رفض التيار التقيّد بمضمون «تفاهم معراب» لجهة المناصفة، والإصرار على تمثيل متواضع لـ«القوات» في الحكومة، وهو الأمر الذي ترفضه القوات وتواجهه بضرورة ترجمة نتائج الانتخابات، ويماشيها بذلك الرئيس الحريري.
«التيّار الحر»
وقال مصدر رفيع في «التيار الوطني الحر»: «إتفاق معراب اصبح من الماضي ولا عودة إليه. يمكننا التفاعل مع القوات داخل حكومة واحدة ووفق معايير واضحة، وربما فتح الابواب امام صياغة اتفاق جديد اكثر وضوحاً والتزاماً».
واضاف المصدر: «إننا من حيث المبدأ لا ننكر على احد حق التمثيل في الحكومة، لكن ما يجب ان يحصل هو ان يتم احترام قواعد التأليف، وخصوصاً احترام الأحجام، وهناك نتائج انتخابات نيابية يجب ان تحترم».
«القوات»
بدورها، قالت مصادر القوات لـ«الجمهورية»: «نحن بانتظار عودة الرئيس المكلّف لإعادة إطلاق عملية التأليف، نحن كنّا اول من تجاوَب مع مبادرة الرئيس المكلّف للتهدئة السياسية من اجل ان تكون المفاوضات دائرة في مناخ هادىء، وايضاً تجاوَبنا مع مبادرة رئيس الجمهورية بالذهاب الى مفاوضات سياسية مع الوزير جبران باسيل لحَلحلة التباين القائم حول موضوع الحكومة».
اضافت المصادر: «نأمل ان يشهد هذا الاسبوع تحريكاً لهذه المفاوضات بزَخم من قبل الرئيس المكلّف بدعم من قبل رئيس الجمهورية، ونحن من جهتنا منفتحون على اي حوار سياسي من ضمن ثوابتنا. الردود التي قمنا بها على الحملات التي شُنّت علينا كانت في سبيل تأكيد ان هناك حملة تضليلية على موقفنا، أكان على مستوى اتهامنا بأننا ضد العهد، والقصد من هذا الامر هو تشويه الموقف السياسي الحقيقي، وهدفه المباشر التنَصّل من «تفاهم معراب». نحن مع العهد ولم نكن ابداً في اي لحظة ضده، وإلّا لكنّا تَموضعنا في موقع سياسي مختلف».
واذ اكدت المصادر تأييد «القوات» للعهد، لفتت الى انه اذا ما استمر هذا التضليل فسنكون مضطرّين الى مواصلة مواجهته، نحن على مواقفنا السياسية، كنّا وما زلنا داعمين اساسيين لهذه المرحلة السياسية باستقرارها وتوازناتها، ونأمل ان يصار الى تشكيل حكومة في اقرب وقت ممكن لمواجهة التحديات على اكثر من مستوى. والأهم في التشكيل ان ياخذ في الاعتبار التوازنات التي افرزتها الانتخابات النيابية. نحن لا توجد لدينا اي مشكلة اذا ما قرروا عدم الالتزام بالتفاهم، فليُجروا الحسابات على قاعدة عدم الالتزام، وفي حال ارادوا الالتزام بالتفاهم فليُجروا الحسابات على اساس ما تم الاتفاق عليه في التفاهم».
«الثنائي الشيعي»
ثالثاً، أزمة المعايير المتناقضة. ولقد كشفت مصادر الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية» انّ هذه المسألة تكاد تقترب من أن تكون «أم العقد» على خط التأليف، إذ يبدو هناك من يَستسهِل الدخول في لعبة فاشلة وخاسرة سلفاً. منذ فترة حاولنا ان نلفت انتباه من «يخَبّص» في الصحن الحكومي، ويقارب ملف التأليف بطريقة تعكس «فَجع» فئة معيّنة واندفاعها لأن تستحوذ على كل شيء تقريباً ونَفخ أحجامها الوزارية على غير حقيقتها الشعبية والنيابية، وفي الوقت نفسه تنطلق في حراك التأليف بما يمكن تسميتها «معايير بسمنة ومعايير بزيت»، وكأنّ هناك طرفاً إبن ست وطرفاً إبن جارية، فهنا يعتمدون معيار وزير لكل 4 نواب، وهناك وبلا اي سبب يعتمدون معيار وزير لكل 3 نواب، وفي مكان آخر يعتمدون وزيراً لكل نائبين، إضافة الى فتح باب التمثيل في الحكومة لفئات معينة وإغلاقه امام فئات أخرى ومن دون سبب، رغم انّ لها وجوداً تمثيلياً وازِناً في مجلس النواب.
وقالت المصادر: هذا الامر غير مقبول، ويجب ان يتوقف «التخبيص» الذي اذا ما استمر سيدفعنا الى كلام آخر وتصرّف آخر. لقد سبق وأطلق الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إشارة تحذيرية بضرورة اعتماد المعيار الموحّد، ثم استكمل هذا التحذير بشكل اكثر صراحة ووضوحاً وحدّة على لسان المعاون السياسي للرئيس بري الوزير علي حسن خليل. الذي قال: نحن لنا أكثر بكثير ممّا قبلنا به في الحكومة، لم نرفع الأسقف لأننا ظننّا انّ المعنيين بالتأليف لديهم الحس الوطني لمواجهة التحديات، لكن العقلية التي يُدار بها ملف تشكيل الحكومة لا توحي بالثقة، ونكرر ما قاله الرئيس بري: «لقد قدّمنا ما علينا، ولا تجعلونا نعيد الحسابات ونطرح الموضوع على أساس القواعد التي وضعتموها».
خليل
ورداً على سؤال، قال خليل لـ«الجمهورية»: قلنا هذا الكلام ونؤكد عليه، لا نستطيع ان نبقى مكتوفي الايدي حيال ما يحصل. وبالتالي، يجب ان يتم تصويب الامور وتحريكها في الاتجاه الصحيح الذي يولد الحكومة الجديدة في أقرب وقت ممكن، ووفق معايير واضحة وواحدة على الجميع.
سنّة المعارضة
رابعاً، أزمة تمثيل سنّة المعارضة، خصوصاً انها عالقة بين رفض الرئيس المكلّف توزير ايّ من هؤلاء، وحصر التمثيل السني في الحكومة بمَن يسمّيهم الحريري، وبين إصرار في المقابل على تمثيل سنّة المعارضة، ولا سيما من قبل «حزب الله»، الذي أبلغ مطبخ التأليف، طلباً مُلحّاً بهذا المعنى.
هذه الأزمة، هي واحدة من العقد المُستعصية حتى الآن، ولا مؤشرات حول مخارج أو حلول وسطى حيالها. وبحسب مقرّبين من الحريري فإنّ الرئيس المكلّف حسم موقفه في البداية بأن لا تمثيل لهؤلاء، ولن يسير بأيّ مطلب من هذا النوع، خصوصاً انّ هؤلاء النواب، الذين لا يدخل ضمنهم الرئيس نجيب ميقاتي ولا النائبان اسامة سعد وفؤاد مخزومي، ليسوا تكتلاً نيابياً مستقلاً، بل لقاء سياسي لا اكثر ولا اقل، وبعضهم ينتمي الى كتل نيابية ستتمثّل في الحكومة، مثل عضو كتلة الرئيس نبيه بري النائب قاسم هاشم، وعضو كتلة «حزب الله» النائب الوليد سكرية.
«حزب الله» يصرّ
وفيما أكد النائب جهاد الصمد لـ«الجمهورية» حق النواب السنّة بالتمثيل في الحكومة، تِبعاً لحيثياتهم التي أكدتها الانتخابات النيابية، قالت مصادر قريبة من «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «انّ الحزب أبلغ موقفه من وجوب تمثيل سنّة المعارضة في الحكومة الى كل من المعنيين المباشرين في تأليف الحكومة. فهذا الامر يصرّ عليه الحزب، وقد طرحه لا ليتراجع عنه. وهذا ما ينبغي أن يحصل». واعتبرت «انّ القول إنّ هؤلاء ليسوا ضمن كتلة نيابية موحدة، هو كلام غير مقنع، خصوصاً انّ مثل التمثيل المطلوب لهؤلاء يعتمد مع كتل اخرى. وذكّرت المصادر بما قاله السيد حسن نصرالله حول انّ تشكيل حكومة وحدة وطنية يوجِب تمثيل الجميع، وكان حريصاً على ان يأتي على ذِكر تمثيل العلويين والسريان، الّا انه تَقصّد تَرك موضوع سنة المعارضة لوقته، علماً انّ نصرالله هو اكثر تشدداً بعنوان تمثيل سنة المعارضة من اي عنوان آخر».
الأزمة الدرزية
خامساً، أزمة التمثيل الدرزي، لم تحسم بعد، وهي من شقّين: الأول يتصل بحجم تمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يملك كتلة من 9 نواب، إذ ما زال التجاذب قائماً حول ما اذا كانت حصة الاشتراكي وزيرين او 3. وامّا الشق الثاني فيتعلّق بحصر التمثيل الدرزي بالاشتراكي، المقبول من قبل الرئيس المكلّف والمرفوض من قبل التيار. وبحسب المعلومات فإنّ الأمر لم يحسم بعد، الّا انّ مصادر في الحزب الاشتراكي اكدت لـ«الجمهورية» انّ الحزب يعتبر انّ هذه المسألة قد انتهت وتجاوَزناها، ويستحيل ان يخرج التمثيل الدرزي في الحكومة عن دائرة وليد جنبلاط. فما يَسري عليهم يَسري على الجميع، ولا يوجد هناك طرف إبن ست وطرف إبن جارية، كل الناس مِتل بعضها.
المشنوق: طعنَني المستقبل
في سياق آخر، وبعد صمت طويل عن الكلام أعقب الانتخابات النيابية، كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ«الجمهورية» أنه تلقى «طعنة من ماكينة «تيار المستقبل» في الانتخابات، مُعترفاً أنه كاد أن يخسر مقعده النيابي.
وعلى خط علاقته التي شابَها التوتر مع الرئيس سعد الحريري في الآونة الاخيرة، أوضَح: «الخلاف الشخصي انتهى مع الحريري، والخلاف السياسي انتهى بمعظمه».
وقال انه بعدما قرّر أن يأخذ إجازة طويلة، سيتخذ قراره بالبقاء تحت سقف «تيار المستقبل» أو الإنفصال، ليُكمل مساره السياسي كشخصية حريرية مستقلة، مؤكداً: «سأتّخذ قراري بكل رويّة وهدوء. لن أستعجل، الأهمّ أنه تمّ سَحب فتيل الخلاف الشخصي مع الرئيس الحريري». مشدداً على أنه «لن يخرج من «الحريرية السياسية» إلّا اذا استُبعِدت». وأكد أنه «لن يتّخذ قراراً في أي اتجاه من دون التشاور مع الحريري». (تفاصيل ص 6-7)
الأخبار
الحريري لن يعتذر مهما تأخّر التأليف
الرياض تستدعي البخاري
مع عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى بيروت، والعودة القريبة المرتقبة لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، تعود عجلات التأليف الحكومي للدوران لكن هذه المرة على إيقاع سقوط تفاهم معراب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وما ستكون له من تداعيات على المشهد اللبناني عموماً، والحكومي خصوصاً.
في هذا السياق، نقل مقربون جداً من الرئيس الحريري عنه قوله قبل مغادرته بيروت، الأسبوع الماضي، في إجازة عائلية خاصة أنه لن يعتذر عن تأليف الحكومة «مهما طال أمد التأليف». وكشف المقربون أنّ الحريري أبلغ ذلك صراحة إلى وزير الخارجية جبران باسيل خلال آخر لقاء جمعهما. وقال الحريري إنّ العقد السياسية التي تؤخر التأليف الحكومي «ليست عندي، وقد تفاهمت مع رئيس الجمهورية ميشال عون على خريطة طريق لحلها».
يذكر أن عون التقى عدداً من الشخصيات والأحزاب في هذا السياق، لا سيما رئيس حزب «القوات» سمير جعجع ورئيس «الاشتراكي» وليد جنبلاط. وقد نصح الأول بلقاء رئيس «التيار» جبران باسيل، فيما ترك مهمة إقناع الثاني بالتخلي عن مقعد درزي من المقاعد الثلاثة للحريري الذي كان قد أبلغ المقربين منه أنه يتفهم موقف جنبلاط بالكامل.
من جهة ثانية، علمت «الأخبار» أن القائم بالأعمال السعودي لدى لبنان وليد البخاري ألغى في الساعات الأخيرة جميع مواعيده ونشاطاته في بيروت، بسبب «اضطراره» للسفر إلى السعودية. وقد تردّدت معلومات أنّ الرياض استدعت البخاري، وهي تنوي تعيين دبلوماسي جديد (ضابط برتبة لواء) مكانه في بيروت.
يذكر أن البخاري سيغادر بيروت هذه الليلة.