دخل اليوم الاسرى الاداريون يومهم الرابع والعشرين في الاضراب عن الطعام. في مثل هذا اليوم يبدأ الجسد يأكل نفسه. مع فقدان الاسير للسكر والبروتين يبدأ جسمه ينهش العضلات مستخرجاً ما ينقصه من مواد.لا يقوى الأسير على التحرك. يصاب جلده بالجفاف. في سجون العدو يقبع ما يقارب الألف اسير اداري. يعتقل المحتل هؤلاء ساعة يشاء. يوجه التهم اليهم من دون ادلة، متذرعاً بوجود «ملف سري» يدينهم. أخيراً، انتفض هؤلاء. ما من وسيلة للتعبير عن غضبهم سوى افراغهم معدهم من كل شيء. فقط ماء وملح. كان طبيعياً أن يلجأوا إلى تلك المحاولة. رأوا بالتجربة ان مثل هذه الاضرابات تؤتي ثمارها. امس، انضم 25 اسيرا اضافياً الى 144 اسيرا مضربا عن الطعام. لا يتناول هؤلاء سوى «المي والملح»، الاول لمنع الجفاف والثاني لمنع تعفن المعدة. أخيراً اقتحم العدو غرفهم وصادر الملح منهم. يعتقد العدو انه بذلك سيكسر من ارادتهم. نحو 70 عاماً من التنكيل بالفلسطينيين لم يتعلم منها شيئاً. لم يدرك بعد أن من اراد العيش بكرامة لن تثنيه كل إجراءاته القمعية.
يتواصل منذ أمس إعلان الأسرى في السجون الإسرائيلية تباعا مشاركتهم في الإضراب عن الطعام تضامنا مع نظرائهم المحكومين إداريا، وجاء أبرز إعلان عبر الهيئة القيادية العليا لحركة حماس في السجون، التي نقل عنها أن أسرى حماس قرروا توسيع مساحة معركة الإضراب ضد السجان الإسرائيلي.
وقالت الهيئة في رسالة نقلتها وسائل الإعلام، إنها في ظل حالة الإضراب التي يخوضها الأسرى الإداريون لليوم الرابع والعشرين على التوالي «تفتح باب التطوع لمن أراد من الأسرى الدخول في الإضراب»، مطالبة من في الخارج بخطوات إسنادية للأسرى على كل المستويات.
في إفادة أخرى، نقل مدير مركز أحرار لحقوق الإنسان فؤاد الخفش عن رئيس الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في السجون عباس السيد، والمحكوم بعدة مؤبدات قراره الإضراب المفتوح عن الطعام «للفت الأنظار إلى معاناة الإداريين، وحث المعتقلين في السجون على الانضمام إلى هذه الخطوات التضامنية».
كذلك، أعلن المتحدث الرسمي باسم حماس خالد الحاج في السجون لحاقه بالإضراب عن الطعام، برغم ما يعانيه من أمراض، ثم توالت أنباء أخرى تحدثت عن دخول 25 أسيرا في سجن «عوفر» الإضراب تباعا، ولحقهم 10 من معتقل «مجدو»، وسرعان ما نقلت سلطات الاحتلال كل الذين شرعوا في الإضراب من «عوفر» إلى عزل «أيلون» في الرملة.
وكان الأسرى في سجن «ريمون» وعددهم 360 قد أعلنوا أول من أمس إضرابهم عن الطعام تضامنا مع «الإداريين»، وترافق ذلك مع استنفار أجرته إدارة السجن، التي وضعت عراقيل أمام زيارات المحامين وصادرت محتوياتهم الشخصية والأجهزة الكهربائية.
في المقابل، هددت إدارة سجن النقب، الأسرى الإداريين والمرضى والمضربين جزئيا بالعزل الانفرادي إذا واصلوا خطواتهم التضامنية مع المضربين كليا عن الطعام.
وأفاد النائب في المجلس التشريعي الأسير حاتم قفيشة في تصريح صحافي بأن بعض الأسرى المرضى المضربين جزئيا، يقاطع عيادات السجون، الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الصحي لهم.
وتقاطعت إفادة الأسير في سجن النقب عبد الخالق النتشة مع سابقه، لكنه أضاف أن إهمالا كبيرا يصدر عن مؤسسة الصليب الأحمر بشأن متابعة أوضاع المضربين، وخاصة المرضى الذين قاطعوا عيادات السجون ورفضوا تناول الدواء.
ودخل 140 من الأسرى الإداريين معركتهم في الرابع والعشرين من الشهر الماضي بالإضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم وسوء معاملتهم، وللمطالبة بإنهاء ملف اعتقال الإداريين والإفراج عنهم. وأكدت مصادر مطلعة أن حالة الأسرى المضربين في تدهور مستمر، «بل وصل الأمر حد الإغماءات والعجز عن الوقوف أو أداء الصلاة فضلا على انخفاض عام لدى الأسرى في نسبة السكر ومستوى الضغط».
في هذا الصدد، وجه أربعة أسرى نداء استغاثة لإنقاذ المضربين في سجن «إيلا ـ السبع». وقال الأسرى الإداريون سفيان جمجموم وعبد الكريم القواسمي وفادي حمد ومؤيد شراب إنهم منقطعون عن العالم وحرموا رؤية محاميهم، علما أنه مضى على امتناعهم عن الطعام 18 يوما.
أما عن الأسير أيمن اطبيش، المضرب منذ 78 يوما، والموجود حاليا في مستشفى «أساف هروفيه»، فقد نقل أطباء زاروه قبل يومين أنه معرض لحالة وفاة مفاجئة، وأضافوا أنه برغم موافقة الأسير على أخذ بعض المدعمات عن طريق الوريد، فإن هذا لا يمنع احتمالية تعرضه للموت المفاجئ. وكانت محكمة إسرائيلية قد أصدرت قرارا بتثبيت الاعتقال الإداري لثلاثة أشهر بحق اطبيش. في الإطار نفسه، تدخل الأسيرة المقدسية شيرين العيساوي (32 عاما) يومها التاسع على التوالي في إضرابها تضامنا مع الأسرى الإداريين، واحتجاجا منها على قرار وقفها عاما كاملا حتى محاكمتها بتهمة تقديم خدمات إلى الأسرى في السجون، «وإنشاء حلقة وصل بينهم وبين قادتهم في الخارج». وكان الاحتلال قد أفرج عن المحامين الأربعة الذين اعتقلت معهم العيساوي، مبقيا عليها في السجون مع شقيقها مدحت وفق والدته، والأخيرة هي أم الأسير المحرر سامر الذي أضرب حوالى 250 يوما ليخرج من الاعتقال الإداري.
بالتزامن مع الإضرابات داخل السجون، تنشط فعاليات التضامن مع الأسرى في مدن الضفة وغزة، التي خرج آلاف المواطنين فيها للتعبير عن غضبهم وتنديدهم باستمرار حالات الاعتقال الإداري. وتركزت التظاهرات في كل من الخليل ونابلس عند خيام التضامن المقامة منذ أيام مع الأسرى، وحملت اسم «الوحدة والانتصار». أما في غزة، فجاب المتظاهرون عددا من الشوارع الرئيسية وصولا إلى مقر المجلس التشريعي، حيث أكد متحدثون هناك «وقوف الشعب الفلسطيني بكل أطيافه خلف الأسرى ومطالبهم المشروعة في وجه الاحتلال».
ورفع المشاركون رايات فلسطين إلى جانب أعلام حركتي حماس وفتح، ولافتات تدعو إلى احترام إرادة الأسرى الذين كان لهم مبادرات سابقة لإنهاء الانقسام الداخلي. على المستوى السياسي، طالب وزير شؤون الأسرى والمحررين في حكومة رام الله عيسى قراقع بتبني استراتيجية عربية إعلامية لدعم قضية الأسرى الفلسطينيين، إلى جانب التحرك لإنقاذ حياة «الإداريين المضربين عن الطعام». ودعا قراقع، وزراء الإعلام العرب، الذين عقدوا جلسة في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة الخميس، خصصت لقضية الأسرى، إلى تبني استراتيجية إعلامية تلقي الضوء على قضية الأسرى من كل جوانبها، «وذلك بتخصيص مساحات واسعة في الوسائل العربية لقضيتهم والتركيز على أهمية تدويلها بالتزامن مع انضمام فلسطين إلى المعاهدات والاتفاقات الدولية.
من جانبها، أعلنت حركة حماس أن «أي مساس بالأسرى لعب بالنار، وأن كل الخيارات مفتوحة لتحريرهم». وقال القيادي في الحركة مشير المصري خلال كلمة له في مسيرة في غزة: «يجب أن تنطلق ثورة الأسرى في وجه العدو، يجب أن تتحرك كل الفصائل».
وأضاف المصري: «الخيارات مفتوحة لإجبار العدو على الإفراج عنهم، على غرار صفقة وفاء الأحرار»، مشيرا إلى أن المصالحة لا بد أن تمثل رافعة لقضية الأسرى. واختتم حديثه: «حماس وهي تغادر الحكومة تترك موروثا وطنيا، بعدما حررت كتائب القسام والمقاومة أكثر من ألف أسير وأسيرة من أصحاب المحكوميات العالية».
الآلاف زاروا السجون إدارياً
على مدار سنوات احتلالها، اعتقلت إسرائيل آلاف الفلسطينيين ضمن مسمى «الاعتقال الإداري» وفق الأرقام التي سجلتها منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية، منهم ما يزيد على 1794 فلسطينياً إدارياً خلال الانتفاضة الأولى عام 1989م. وفي مطلع التسعينيات وأواسطها سجل عدد المعتقلين الإداريين انخفاضاً ملحوظاً ليكون ما بين 100 –350، لكن الأرقام عادت إلى الازدياد خلال حملة «السور الواقي» في نيسان 2002م حينما اجتاحت القوات الإسرائيلية مدن الضفة المحتلة واعتقلت مئات الفلسطينيين إدارياً ليتجاوز العدد في نهاية العام نفسه ألف سجين. أما ما بين الأعوام 2005- 2007 فكان عدد الإداريين نحو 750 فلسطينياً، ثم تقلص العدد بالتدريج حتى وصل هذا العام إلى 200 أسير خرج نحو 20 منهم على مدار عام ونصف بالإضرابات الفردية.
COMMENTS